ما زالت غزة على مواقفها من ملفات ما بعد الحرب وتداعياتها، وما زالت حكومة العدو على مواقفها المتعنتة من الملفات نفسها. ولا توجد ضغوط حقيقية على حكومة الاحتلال لتغيير مواقفها من هذه الملفات، لا سيما في الجوانب ذات العلاقة بالقضايا الإنسانية.
توقفت الحرب مؤقتا، واستبقت حكومة الاحتلال المعابر مغلقة. شهر أو يزيد مرَّ على إغلاق المعابر، وفي هذا الشهر استنفدت غزة جل مخزونها من المواد ذات العلاقة بمقتضيات العمران، فضلا عن العجز الدائم في مدخلات المصانع، إضافة إلى آلاف الحاويات الفلسطينية الواردة من الصين لغزة، وهي محتجزة في موانئ الاحتلال.
غزة قاتلت للتقدم خطوة للأمام في اتجاه رفع الحصار، ومكافحة الاستيطان، وحكومة الاحتلال عملت في الحرب، وما زالت تعمل فيما بعد الحرب على إفشال غزة فيما هدفت له، بل وإعادتها للوراء أيضا، ولكن حكومة الاحتلال فشلت في ذلك من خلال الحرب، وتحاول النجاح من خلال الحصار، وإغلاق المعابر، وإنهاك الحياة المدنية في غزة، وتستعين على ما تريد بجهات محلية وعربية ودولية تعادي غزة والمقاومة عداء فيه افتراء وظلم كبير.
غزة قالت لمصر نوافق على تبادل أسرى كمقدمة للحديث في الملفات الأخرى، ولكن حكومة الاحتلال ذات البناء الهش لم تقدم لمصر عرضا مقبولا في ملف الأسرى، ثم ربطت ملف الأسرى بملف الإعمار. المفاوضات فشلت، ولغة التهديد باستئناف القتال عادت للواجهة. الفصائل في غزة اجتمعت وقررت العمل على إفشال الحصار، وإجبار العدو على تخفيف الحصار، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى اتفقت الفصائل على رفع درجة الجهوزية القتالية إذا ما فاجأ العدو غزة بالقصف.
السلطة الفلسطينية فشلت في اتخاذ موقف ينصر غزة ويعزز صمودها، بل هي تحاول الالتفاف على المنحة القطرية، وتعمل إعلاميا على حرف غزة عن معركتها مع الحصار بافتعال معارك بينية، ومن بينها تعميق الاعتقالات للمؤيدين للمقاومة. السلطة في مواقفها السلبية المناهضة لصمود غزة هي نموذج لمواقف جل قادة النظام العربي المناهضين لخيار المقاومة. أميركا التي أعادت ملء مخازن العدو بالصواريخ بديلا عما استنفد منها في قصف غزة، ليست محايدة حتى تسهم بتخفيف الحصار. هذه الحالة السلبية لا يمكن لغزة السكوت عليها، لأنها تمثل حالة انتحار وتراجع، لذا يبدو أن الفصائل في اجتماعها قررت مواجهة هذه الحالة بالآليات الممكنة حتى وإن تجدد القتال.