سأمزق جسد حركة حماس، وسأنزع رأسها، وأسلمه إلى المخابرات الإسرائيلية، وأركب بدلًا منه رأس حركة فتح، وأمكنها من السيطرة على كل مناحي الحياة في قطاع غزة، بل سألقي القبض على كل قادة حماس، وأزج بهم في السجون، وسأطلق النار على كل من يحمل سلاحًا غير سلاح السلطة الفلسطينية، وسأردم كل أنفاق المقاومة، وسأجمع كل الصواريخ التي صنعتها حماس والجهاد، وأسلمها إلى المخابرات الإسرائيلية بحضور الصليب الأحمر والمخابرات الأمريكية، وسأمارس التنسيق الأمني، وألتزم باتفاقية أوسلو، وشروط الرباعية، وسأسمح للجيش الإسرائيلي بالمطاردة الساخنة، حتى يدخل أعماق مخيم الشاطئ ومخيم جباليا، ويعتقل ويقتل من خان يونس ورفح ما يشاء من الفلسطينيين الخارجين على قانون السلطة الواحدة.
من المؤكد أن السلطة الفلسطينية ستسعى إلى فتح معبر رفح على مدار الساعة، كي تؤكد للجميع بأن إغلاق المعبر كان بسبب وجود حركة حماس على المعابر، ومن المؤكد أن الكهرباء ستأتي إلى غزة 12 ساعة يوميًا بدلًا من أربع ساعات، وسيتم ربط غزة في غضون عدة أشهر مع الخط الثماني، وسيتم تزويدها في غضون أشهر بخط كهرباء جديد من (إسرائيل)، وستتدفق المساعدات لإعمار غزة، بهدف طمأنة الناس على حياتهم ومستقبلهم، وسيكون هناك آلاف فرص العمل داخل غزة، وسيتم التصدير والاستيراد لغزة بلا مشاكل.
ومن المؤكد أن عشرات آلاف الموظفين الذين يقومون الآن بواجباتهم الوظيفية في قطاع غزة سيكون مصيرهم الطرد، فلا حق لهم بالعمل والعيش، وفق سياسة السيد محمود عباس، ومن المؤكد أن كل القوانين التي أصدرها المجلس التشريعي في قطاع غزة، وحتى تاريخه، سيكون مصيرها الشطب، وكذلك كل الأحكام الصادرة عن القضاء في غزة، ستكون غير قانونية، وسيتم تسريح عشرات آلاف الضباط والجنود العاملين في الشرطة والأجهزة الأمنية، ليصير استبدالهم بالموظفين الذين أمرهم محمود عباس بالقعود في بيوتهم.
فهل كل ما سبق هو الغاية التي يسعى إليها سكان قطاع غزة، وهي منتهى أمنياتهم؟ أمن أجل ما سبق كانت الثورة الفلسطينية، وكان ارتقاء آلاف الشهداء في الأردن ولبنان؟ أمن أجل ما سبق كانت الانتفاضة الأولى، التي هزت أمن (إسرائيل)؟ أمن أجل ما سبق فجر الشهيد أبو عمار انتفاضة الأقصى، وارتقى شهيدًا؟ وماذا عن عودة اللاجئين إلى ديارهم؟ أليست العودة من الثوابت الفلسطينية، فكيف تعود فلسطين، ونعود إليها إذا كان الخضوع لـ(إسرائيل)، والتكسب من تحت حذائها هو المبتغى؟ وماذا عن الضفة الغربية، أليست الضفة أرضًا فلسطينية؟ فإذا قطعنا رأس حماس، وأحرقنا جثة الجهاد الإسلامي، وأغرقنا سلاح التنظيمات المقاومة في البحر، هل سيتم تصفية المستوطنات اليهودية، واقتلاع مئات آلاف المستوطنين من المباني الشاهقة التي أقاموها؟ وماذا عن القدس؟ هل سيتم تحرير القدس إذا حررنا غزة من سلطة حماس وفق ادعاء البعض؟ هل ستتوقف الاقتحامات اليهودية للمسجد الأقصى؟ هل سيتوقف الحفر تحت أساساته، هل سينتهي تهويد القدس، وطمس تاريخ المدينة المقدسة؟ وماذا عن حركة فتح نفسها؟ هل سيم توحيد أجنحتها بشكل ديمقراطي، يخدم تحرير فلسطين؟ وماذا عن منظمة التحرير، هل سيتم تفعيلها لتضم كافة قوى الشعب الفلسطيني؟ وماذا عن القرار السياسي الفلسطيني؟ هل سيظل القرار السياسي الفلسطيني في يد شخص واحد، يعز بقرارته من يشاء، ويذل بتوقيعه من يشاء، ويعتقل ويطرد ويعاقب ويفصل من الوظيفة العمومية من يشاء، أم سيكون هنالك نظام برلماني فلسطيني؟ وهل ستسمح (إسرائيل) للفلسطينيين بالحياة الحرة الكريمة الشريفة فوق أرضهم بلا عدوان وبلا اغتصاب للأرض وبلا قتل على الحواجز، وبلا اقتحام للمدن واعتقال آلاف الشباب؟ أرأيتم كيف عدنا إلى المربع الأول، وأن قضيتنا الفلسطينية ليست في حصار غزة فقط، وليست في رأس حماس الذي يناطح الصلف الإسرائيلي؟ أرأيتم أن تعقيدات القضية الفلسطينية أسبق من ميلاد حركة حماس؟ وأن العدوان الإسرائيلي لا يستهدف حركة حماس فقط، وإنما يستهدف الأرض والإنسان الفلسطيني معًا؟ أرأيتم أن حصار غزة عمل سياسي صهيوني يهدف إلى قلب الحقائق السياسية، وتشويه الثوابت الوطنية، وحصر معاناة شعب في التخلص من حكم حركة حماس، وعودة غزة إلى حضن شرعية محمود عباس، باعتبارها البلسم الشافي للوجع الفلسطيني؟ لقد حرّف الدجالون الفلسطينيون النضال عن مواضعه، حتى صار صمود غزة جريمة إنسانية، وصارت المقاومة خاطفة للقضية، وصارت الصهيونية هي الحريصة على الثوابت الوطنية!.