فلسطين أون لاين

وبشِّر الصابرين

...
م.عماد صيام
م. عماد صيام

الصبرُ هو حبس النفس عن السُخط والجزع، وحبس اللسان عن الشكوى لغير الله، وحبس الجوارح عن الحرام، وحبس النفس على طاعة الله -تعالى-، والصبر الجميل هو الذي يبتغي العبد بصبره وجه الله عزّ وجلّ، يصبر واثقًا في الله، مطمئنًا بقضاء الله وقدره، مستعليًا على الألم، فإذا ادْلَهَمَّت الأمور واسودت الحياة وعظمت المصائب وكثرت الرزايا فالصبر ضياء، وإذا نزل المكروه وحَلّتِ المخاوف وعظم الجزع واحتيج إلى مصارعة الحُتُوف فالصبر التجاء، وإذا انسدت المطالب وهيمن القلق واشتد الخوف وعظمت الكربة فالصبر دواء.

والعاقل هو الذي يدرك أن الدنيا دار هموم وغموم وبلاء، وليست دار راحة ونعيم وهناء، قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى: "ولولا أن الدنيا دار ابتلاء لم تَعْتَوِرْ فيها الأمراضُ والأكدار، ولم يضق العيش فيها على الأنبياء والأخيار، فآدم يعاني المِحنَ إلى أن خرج من الدنيا، ونوح بكى ثلاثمئة عام، وإبراهيم يكابد النار وذَبْحَ الولد، ويعقوب بكى حتى ذهب بصره، وموسى يقاسي فرعون ويلقى من قومه المِحن، وعيسى ابن مريم لا مأوى له إلا البراري في العيش الضَّنْك، ومحمد
-صلّى الله عليه وسلّم- يصابر الفقر وقَتْلَ عمه حمزة وهو أحب أقربائه إليه ونفور قومه عنه، وغير هؤلاء من الأنبياء والأولياء مما يطول ذكره، ولو خُلِقت الدنيا للذة لم يكن حظّ للمؤمن منها".

ومع كل الألم والخطوب إلا أن الصابرين هم الأوفر حظًا وسعادة في الآخرة، قال الله -تعالى-: " إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ "(الزمر:10)، بغير حساب يعني: بغير حد ولا عد ولا مقدار، وقال الأوزاعي رحمه الله: ليس يوزن لهم ولا يكال لهم، وإنما يغرف لهم غرفًا، وقال-تعالى-: " وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)" (البقرة).

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ". وقال عليه الصلاة والسلام: "وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ".

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إن أفضل عيش أدركناه بالصبر ولو أن الصبر كان من الرجال كان كريمًا". وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "ألا إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد فإذا قطع الرأس باد الجسد، ثم رفع صوته فقال: ألا إنه لا إيمان لمن لا صبر له، وقال: "الصبر مطية لا تكبو". فصبرٌ جميل أيها الأحباب، والله المستعان.