آلمتها نظرات أطفالها وحزنهم في أول أيام عيد الفطر لعدم ارتدائهم الملابس الجديدة بسبب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وفي الوقت نفسه لم تتمكن من إخفاء وجعها من الدمار الذي حل حولها، واستهداف الاحتلال الأطفال والمدنيين، فلم يكن أمام الأم حمدية المقيد سوى ريشتها ولوحاتها لتنفس عن وجعهم برسم طفلة صغيرة سرحت شعرها بشكل جميل، وترتدي ملابس العيد.
حمدية (35 عامًا) من بيت لاهيا شمال قطاع غزة، أوجعها العدد الكبير من الضحايا الأطفال الذين استهدفتهم طائرات الاحتلال في العدوان الأخير، وقتلت فرحتهم بمعايشة أجواء العيد، فرسمت تلك الطفلة الجميلة التي قد تكون إحدى الشخصيات الحقيقية في المجتمع، ووضعت حولها إطارات السيارات المشتعلة (الكوشوك).
وتوضح أنها لم تجد سبيلًا لتفريغ مشاعرها السلبية سوى اللوحة والألوان، ومشاركتها في معرض "تراب وحجارة".
جاء ذلك في معرض الفن التشكيلي بعنوان: "تراب وحجارة"، الذي نظمته قرية الفنون والحرف التابعة لبلدية غزة، للتعبير عما يجول بخواطر الفنانات بعد وقف العدوان على غزة.
أما الفتاة غيداء الحلو (16 عامًا) من سكان مدينة غزة فمزجت ريشتها الألوان لتعبر عما حل بالغزيين في معركة سيف القدس، وتقول لصحيفة "فلسطين": "قدمت لزوار المعرض لوحة صمود تحمل في طياتها رسالة للعالم أن غزة ستنهض من جديد بكل قوة، وستخرج بعد المواجهة للعمل على تحرير فلسطين".
ومن تحت الركام الذي خطته بيدها رسمت سيدة تخرج بثوبها الفلسطيني وهي غزة، ويدها تمتد نحو القدس، وتضيف: "الدمار لن يزيدنا إلا صمودًا وتحديًا، فستخرج غزة وأهلها من تحت الأنقاض أقوياء، لتكون هذه المعركة ما هي إلا سبيلًا للتحرير".
من جهته يقول رئيس بلدية غزة د. يحيى السراج: "معرض "تراب وحجارة" يأتي لتوثيق الدمار وعنف الاحتلال في العدوان على غزة"، مبينًا أن المعرض دليل على حيوية الشعب الفلسطيني وقوته وصموده، وأنه لا يخرج من هذا العدوان الرهيب بانكسار وهزيمة، إنما بقوة وعزيمة وإصرار فلا يفقد الأمل.
ويبين أن المعرض تشرف عليه قرية الفنون والحرف التابعة لبلدية غزة، ويضم 30 مشاركًا.
ويلفت السراج إلى أن المشاركات في المعرض من الفتيات اللواتي تمتلئ قلوبهن وعقولهن بالأمل والحيوية والإصرار على البقاء على هذه الأرض، والإصرار على تحريرها حتى إنشاء دولة فلسطينية حرة مستقلة.
ويشير إلى أن بلدية غزة تقدم العديد من الخدمات الصحية والمياه وخدمات الصرف الصحي للمواطنين، بالتوازي مع الخدمات الثقافية التي هي ذات أهمية كبيرة، فيتبع البلدية العديد من المراكز الثقافية، وأحد أهدافها تطوير المشهد الثقافي ورعاية الخبرات والكفاءات والمواهب الفلسطينية، ويرى أن هذا المعرض هو تجسيد وتحقيق لأحد تلك الأهداف.
ويوضح السراج أنه في كل فعالية يُكتشف مجددًا شباب وشابات مبدعون لا يتأخرون عن المشاركة في الفعاليات التي تعبر عما يجول بخاطرهم ونفسياتهم وشعورهم نحو المناسبات التي تمر بها القضية الفلسطينية، فهم جيل المستقبل وقادته.
ويوجه رسالة: "إن الحياة لها أكثر من جانب، ومنها الجانب الفني الذي يجب رعايته وتقويته لكونه يعبر عن صمود الشعب الفلسطيني ومعاناته، وفيه شيء من التنفيس عن الغضب والألم اللذين يواجههما أبناؤنا ويُوجد الأمل بنفوسهم، لذلك نعمل على رعاية واحتضان الفنانين حسب الإمكانات، إلى جانب الدعم المعنوي الذي له أثر إيجابي فيهم".
الفن التشكيلي
من جهتها تقول مديرة قرية الفنون والحرف في بلدية غزة نهاد شقليه: "إن القرية أرادت إبراز معاناة الغزيين والأحداث التي مروا بها في العدوان الأخير على غزة بلوحات رسمت بالفن التشكيلي".
وتبين شقليه أن كل فلسطيني يمتلك وسيلة للدفاع عن قضيته، التي يعبر عنها بطريقته الخاصة، فالجندي مقاوم بسلاحه، والصحفي بقلمه، والمصور بعدسته، والمهندس بمبانيه، وقرية الفنون والحرف وما تضم من فنانين بلوحاتهم وألوانهم وريشتهم.
وقدمت الفنانات المشاركات في المعرض لوحات مبدعة رغم قصر المدة التي منحت لهن للتعبير عن أحداث معركة سيف القدس، فرغم الدمار والشهداء والجرحى هناك مساحة للحياة والاستمرارية، "فعبرت المشاركات عن حياة فلسطين في أثناء العدوان وما بعده بأننا باقون ومستمرون رغم الدمار، لا محالة، والمعرض يثبت هذه الحكاية".