ما من شك أن معركة إعادة الإعمار لا تقل أهمية عن المعركة العسكرية، ويمكن القول إن كل مواطن هُدم بيته، أو تضرر كثيرًا أو قليلًا، هو مقاوم من الدرجة الأولى، وهو شريك في التضحية لمن حفر النفق، أو أطلق الصاروخ، بل إن كل سكان القطاع هم شركاء قتال لأنهم الحاضنة التي احتضنت المقاومة، ولأن أبناء المقاومة هم من أبنائهم وإخوانهم وأقاربهم، فيكاد لا يخلو بيت من مقاوم، أو من نصير للمقاومة.
إنه إذا رفع الشعب المقاومة مكانًا عليا كرامة لها ولدورها الوطني، فإن الشعب الذي احتضن المقاومة يستحق هذه المكانة الرفيعة، وفي مقدمة من يستحقون أن يكونوا فوق الرأس والعين بعد الشهداء والجرحى هم المتضررون بهدم بيوتهم كلها أو جزء منها، وهذا يوجب على مؤسسات الحركة، ومؤسسات الحكومة في غزة أن تتخذ من الإجراءات والتسهيلات التي تحفظ للناس كرامتهم، وتشعرهم بتقدير الجهات المسؤولة وصاحبة الكلمة لتضحياتهم وتحفظ لهم مشاعرهم وكرامتهم.
ومن هذه الإجراءات المطلوبة تسهيل عمليات إحصاء الأضرار، وتسجيلها بشكل مناسب يشعر المواطن أن الموظف ورؤساء العمل معه يقدّرون تضحيته، وأنهم يعملون على تخفيف آلامه، ولو كان في وسعهم أكثر من ذلك لبذلوه عن طيب خاطر. إن أي تعويض مالي يأتي لاحقًا، هو تعويض للضرر المادي، وليس تعويضًا للألم الذي صاحب فقدان البيت والأثاث، وأحيانًا بعض المال.
إن أي لجان وزارية وحركية قادرة على تضميد الجراح يجب أن تصل إلى كل البيوت المتضررة، وتسهل علميات وإجراءات تسجيل الأضرار، ويجدر أن يكون العاملون فيها لديهم حساسية في التعامل مع هذه الفئة المتضررة، فلا يشعروها بأنها تكذب أو تبالغ فيما تدلي به من معلومات حول الأضرار التي لحقت بهم، فكلنا يعلم ومن تجارب سابقة أن التعويضات لم تغطِّ كل ما فقد، فقد تغطي البيت كمبنى، ولكن لا توفر قيمة الأثاث والديكور، ومع ذلك تجد المتضررين يحمدون الله على السلامة الشخصية أولًا ويحمدون الله على ما تلقوا من تعويضات، ويحتسبون الفاقد عند الله سبحانه.
إن أي إجراءات إدارية ووظيفية (تمرمط) المتضررين بعضهم أو كلهم لسبب أو لآخر، هو هدم ذاتي للحاضنة الشعبية ولبنية المجتمع المقاوم المجاهد الذي يحتاج إليه من يعمل للتحرير. التحرير يكون بالقتال، ويكون بالمقاتل، ويكون بالمجتمع المقاتل المقاوم وبدون مجتمع مقاوم، لا تدوم مقاومة ولا تنتصر البتة. قوة المقاومة في قوة المجتمع، وفي حاضنتها القوية، ومثل هذا البناء يحتاج إلى الأيدي الرحيمة، والألسنة الكريمة، وإلى المعاملات السهلة الميسرة. والحمد لله رب العالمين أن مجتمعنا وموظفينا على الطريق المستقيم إلا قلة لا تعي الواجب، لذا يحب إصلاحها.