فلسطين أون لاين

3 دلالات وراء القرار الإسرائيلي

تقرير إلغاء "مسيرة الأعلام" بالقدس المحتلة.. المقاومة بغزة تُلجِم "الذئب الجريح"

...
صورة أرشيفية
القدس المحتلة-غزة/ يحيى اليعقوبي:

بعد أقل من ساعة على تهديد المقاومة الفلسطينية بغزة، بشن جولة قتال أخرى، ألغت قوات الاحتلال مسيرة الأعلام التي كانت جماعات المستوطنين اليهود تنوي تنظيمها لاقتحام المسجد الأقصى المبارك يوم الخميس.

قرار إسرائيلي يعكس، كما يقرأ مراقبون، النتائج الملموسة التي أفضت إليها معركة "سيف القدس"، حيث فرضت معادلة جديدة تمنع قوات الاحتلال من العبث بالمسجد الأقصى وبقية مناطق مدينة القدس، التي حاولت كثيرا فصلها عن بقية المناطق الفلسطينية وتحديدا غزة الخاضعة لحصار مشدد منذ 15 عاما.

وجاء قرار إلغاء المسيرة بعد تحذير عبّر عنه أمس نائب رئيس حركة حماس في غزة خليل الحية للاحتلال الإسرائيلي من تكرار سيناريو 11 مايو/ أيار الماضي، الذي تدحرجت فيه الأمور لمواجهة عسكرية شرسة انتهت في 21 مايو من الشهر ذاته.

وقال الحية في تصريحات أمس: "العدو يحاول أن يجسد وقائع جديدة بإعلانه مسيرة أعلام جديدة، وبتصعيده في الشيخ جراح، ونقول للوسطاء بوضوح: إنه آن الأوان للجم هذا الاحتلال، وإلا فالصواعق ما زالت قائمة".

تصريحات وجدت صداها سريعا في كيان الاحتلال الإسرائيلي، حيث أبلغت قيادة الشرطة المستوطنين بعدم وجود موافقة على تنظيم المسيرة يوم الخميس، وأن مفوضها العام أوعز بأن يُرتَّب توقيت العرض ويُحدَّد مع المستويات السياسية.

وهذا ما قوبل بردود فعل غاضبة من المستوطنين، حيث هاجم زعيم حزب "الصهيونية الدينية" ايتمار بن جبير القرار قائلًا: إن "مفتش عام الشرطة يواصل خط الخضوع والاستسلام للإرهاب"، وفق تعبيره.

خلط الأوراق

مدير مركز "يبوس" للدراسات سليمان بشارات، يعتقد أن الاحتلال الإسرائيلي، وبالتحديد رئيس الحكومة الحالي بنيامين نتنياهو، وبالتنسيق مع الجماعات اليهودية المتطرفة، يسعى إلى إحراج أقطاب الحكومة المقبلة ومساعي التصديق عليها في اللحظات الأخيرة، إما من خلال خلط الأوراق واندلاع مواجهة جديدة، وإما محاولة ترميم بعض من صورته التي اهتزت في المواجهة الأخيرة، كهدف حاول تحقيقه.

الهدف الثاني، كما تابع بشارات لصحيفة "فلسطين" من محاولة تنظيم المسيرة، هو محاولة إضعاف صورة ما حققته المقاومة في الجولة الأخيرة من المواجهة مع الاحتلال، وقد يكون نتنياهو ومن خلفه بعض الأقطاب الحكومية اعتقدوا أن المقاومة لن تتحرك بذات القوة في الوقت الحالي خاصة أن هناك حراكا ومباحثات تجري باتجاه تثبيت التهدئة، إلا أن الموقف الواضح من المقاومة أولا، وأهالي القدس ثانيا كان بمنزلة السد المنيع أمام الذهاب لهذه الخطوة.

وهنا ثمة ثلاث دلالات وراء إلغاء المسيرة، الأول قدرة المقاومة على تثبيت معادلة جديدة فيما يتعلق بشكل وخطوط وحدود الصراع مع الاحتلال، فالقدس "اليوم دخلت ضمن هذه المعادلة الجديدة، التي ستجبر الاحتلال أن يعيد حسابته في أي خطوات مقبلة باتجاه المدينة"، وفق بشارات.

ولفت إلى أن الدلالة الثانية تتمثل في إدراك الاحتلال أن هناك تغيرات على مستوى جماهيري فلسطيني بالضفة والقدس والأراضي المحتلة عام 48 وغطاء من المقاومة في غزة، وهذا التناغم في الموقف لم يعد يتردد في المواجهة، وهو ما يعني أن الاحتلال يدرك أن أي خطوة غير محسوبة ستجره إلى خسارة أكبر سواء ميدانيا أو سياسيا.

والثالثة، تبعًا لكلامه، أن التغيرات التي شكلتها معركة سيف القدس من خلال إدخال لاعبين سياسيين بقوة، سواء إجبار الولايات المتحدة أو مصر على أن تكون مواقفها أكثر صرامة مع الاحتلال وحكومته، وعليه فإن أي خروج عن هذا الإطار يعني أن الاحتلال سيخسر الكثير أيضا.

ولفت إلى أن الاحتلال وبالرغم من أنه لن يتوقف عن انتهاكاته ومحاولة تنفيذ مخططاته التهويدية والاستيطانية بالضفة والقدس المحتلة، فإنه بات مجبرا على إعادة الحسابات، أو التراجع عن خطوات كانت تعد اعتيادية روتينية، وهذا الأمر ربما يمهد لمرحلة جديدة في شكل وطبيعة الصراع مع الاحتلال.

أزمة داخلية

حاول نتنياهو الدفع بإقامة مسيرة الأعلام، وهذا يأتي وفق الكاتب والمحلل السياسي راسم عبيدات في إطار الحرب التي يعلنها على "حكومة التغيير"، وأوعز إلى رئيس شرطة الاحتلال ووزير الأمن الداخلي الموافقة عليها، لكن المستويين السياسي والعسكري أدركوا أن أي عبث في البلدة القديمة يعني تفجر الأمور لحرب، وأن فريق نتنياهو الذي أصبح كالذئب الجريح يضرب في كل الاتجاهات.

وقال عبيدات لصحيفة "فلسطين": "إن وزير جيش الاحتلال عمد إلى إرجاء المسيرة لموعد لاحق، ونحن ندرك أن ذلك تراجع بمنزلة إلغاء، وهذا يرجع إلى الهبة الشعبية المستمرة والإسناد المباشر الذي عبّرت عنه وحدة المصير بين غزة والقدس المحتلة".

وأضاف أن هذا التغيير نابع من تغيير ميزان القوى بعد معركة سيف القدس التي هشمت الاحتلال سياسيًا وعسكريًا، وخلقت أزمة داخلية في دولة الاحتلال، ومعادلة جديدة شكلت فيها غزة نقطة ارتكاز للمقاومة بعدما أجرت تغييرا في موازين القوى، بأن أي اعتداء على القدس والمسجد الأقصى والشيخ جراح يمكن أن يفجر الأوضاع.

ورغم التصعيد الذي يفرضه الاحتلال على حي الشيخ جراح باعتقال أبناء الحي ومنع الصحفيين من التغطية والوصول إليه، فإن تغير المعادلة قد يدفعه إلى التراجع ليس في الشيخ جراح نفسه بل قد يمتد الأمر إلى بطن الهوى، ومجموعة أحياء أخرى مثل وادي الربابة وحي البستان وبقية الأحياء المهددة بالتهجير، وهذا يرجع إلى حالة الاشتباك المستمرة، بعدما شعر الاحتلال أن هناك حلقة مقدسية فيها دعم وإسناد للقدس من المقاومة في غزة، بمعنى أن تهجير الأحياء قد يفجر الأوضاع لحرب.