فلسطين أون لاين

أبعاد

غزة.. أبلغ كلام العرب

يشاء الله أن نخرج من معركة (سيف القدس) مع الذكرى الـ(٥٤) لهزيمة الأنظمة العربية في حرب ١٩٦٧م. هذا التزامن غير المستهدف في المعركة أذكى لدى المحللين إجراء موازنة بين الحربين أو المعركتين. جلّ المقاربين للمعركتين أجمعوا على أن معركة (سيف القدس) غسلت أو كادت أن تغسل عار هزيمة ١٩٦٧م.

أتذكر أن أخبار عبد الناصر وصواريخ القاهر والظافر كانت تملأ صفحات الأهرام والجمهورية وأخبار اليوم وإذاعة صوت العرب في ذلك التاريخ، وكان المحللون، أو قل "المهرجون"، يظهرون لنا عظمة الجيش العربي، المحرر لفلسطين، وكيف ستهزم صواريخ القاهر والظافر دولة الاحتلال من داخلها وكيف ستدك حصونها الحصينة.

كنت في ذلك التاريخ في السادسة عشرة من العمر، تحمست كغيري من الشباب للجيش العربي المحرر المظفر القاهر للعدو، وهتفنا لعبد الناصر ولمصر وللفاتحين الجدد، وما هي إلا ساعات من صباح يوم السادس من حزيران وإذا بجيش العدو وقائده موشى ديان يقفون على قناة السويس ويعلنون هزيمة الجيش المصري. فانقلب فرحنا وفخرنا حزنا وذلا. وسألنا: أين القاهر؟ وأين الظافر؟! ولا مجيب، وعادة في الهزائم لا تجد من يجيب عن أسئلتك.

اليوم في عام ٢٠٢١م بعد (٥٤) سنة تدك صواريخ القسام المنطلقة من غزة (تل أبيب) وغيرها من المواقع في المركز والشمال، وما كنا نظن أن لدى المقاومة القدرة على ذلك، فالمقاومة ليست دولة، ولا تملك مصانع حلوان للإنتاج الحربي. لم تتحدث المقاومة عن القاهر والظافر قبل المعركة، ولكنها تركت المعركة تحدثنا عن ظافر القسام وقاهر (تل أبيب). ما شهدناه كان أبلغ من كل ما سمعناه عن سلاح العرب قاطبة. هم يملكون سلاحا ضاربا يتفوق على صواريخ غزة والقسام، ولكنهم لا يمكون إرادة غزة وإرادة كتائب القسام.

غزة لم تعد تنتظر النظام العربي، لا كله ولا بعضه، لأن كله يخاف (إسرائيل) ولا يرغب بسماع كلمة الحرب والتحرير. النظام العربي يملك سلاحا حديثا، ولكنه ليس معدا لفلسطين والتحرير، بل هو لأمور أخرى. غزة المحاصرة أعطاها الله على ضعفها ما لم يعطه لغيرها من الشرف الرفيع بغسل عار هزيمة السادس من حزيران في عام ١٩٦٧م، بضربها عاصمة دولة الاحتلال.

بعيد الهزيمة بحثنا عربيا عن لملمة الجراح، فكانت المقاومة بقيادة حركة فتح آلية عمل التفت حولها الشعوب والأنظمة المهزومة، ولكن لم يطل شهر العسل مع الأنظمة المهزومة، التي تنكرت للمقاومة بعد أن التقطت أنفاسها. أما اليوم وبعيد معركة سيف القدس شفيت الجراح، وبدأنا نبحث عن القدس وعن التحرير.

 لله درك يا غزة، كنتِ وما زلتِ أبلغ كلام العرب في العصر الحديث.