فلسطين أون لاين

"وَحوي يا وَحوي" نُغنيها لطيفك

...
غزة - نجلاء السكافي

أشرق هلال رمضان يا "ملاكي" الصغيرة، فلا تعبثي بالزينة المتدلية من أبوابِ البيت ونوافذه، ودعينا نتأمل أناقتها في هذا اليوم الرمضاني الجميل، قد يظن بعضُ الناسِ _يا ملك_ أننا لن نعود نشتري الزينة البراقة ونسهر على تنسيقها وترتيبها في زاويا البيت، فضلًا عن فوانيس رمضان التي يحضرها أبي تغني لنا: "وحوي يا وحوي"، ذاك لأنها بضعٌ مما تركتنا عليه الحبيبة أمي، ولكننا وفاءً وحبًّا مازلنا نزين النوافذ، ونرسل إليها مع غيوم السماء أطيب الدعاء.

كلما نظرت إلى عينيكِ الصغيرين _يا مَلك_ تساءلت: كيف مر عامان منذ ذلك اليوم دون أن نرى وجه أمي ثانية؟!، وهل كان حضورك ثمنًا لغيابها الأبدي هذا؟!، حبيبتي، قد لا تدركين معنى كلماتي الآن، إني أعذرك، لأنه في أثناء ولادتك أصاب أمنا انسداد مفاجئ في الشرايين أودى بحياتها، وتركك يتيمةً تعانين نقص الأكسجين الذي أفقدك القدرة على المشي والنطق.

لا عليكِ يا ذات الأصابع اللولبية؛ فستقومين _يا صغيرتي_ تخطين على قدميكِ وتنادينا واحدًا واحدًا بأسمائنا التي تعرفينها جيدًا، وكم يبدو هذا جليًّا بابتسامتكِ الفاتنة التي تنثرينها علينا كلما رأيتنا، ستقومين يا ملك؛ فأنتِ تعرفين الحب الكبير الذي يكنه أبي إليكِ، فهو يتولى أمور علاجك من جلسات العلاج الطبيعي إلى الأكسجين المضغوط، بصحبة عمتي نفوذ التي احتفظت بك منذ اللحظة الأولى في أحضانها وبيتها، وآثرت أن تكون لكِ أمًّا وفيةً ومعطاءة.

لأخبركِ قليلاً عن تلك الدُرة المكنونة التي انطفأت فجرًا دون أن نشعر بها، كأن حياتنا معها كانت مجرد حُلُم جميل نصحو كل يوم على رحيله، فكيف برمضان ولمساتها الودودة العطرة فيه؟!، هل تعلمين أن كل ذكراه اليوم أصبحت مرهقة لروحي؛ ففي أول رمضان بعد غياب أمي دخلت بيتنا زوجة أبينا سمر، وأشهد الله كم كانت هي رحبة القلب ورقيقة المعاملة.

جاءت سمر قُبيل رمضان بثلاثة أيام، سأصفِ لكِ المشهد تمامًا، بعدما سلمنا عليها جميعًا قالت لنا: "نادوني بالاسم الذي تحبون، ولكن لا تقولوا خالتي"، كانت الكلمة صعبة على نفسها، فلم نجد أجمل من اسمها لنناديها به، وبقيت سمر المعطاءة دون كللٍ أو ملل، هذه البهية التي رزقها الله عائشة الصغيرة التي لا تفتأ تجوب البيت وهي تحبو بضحكاتها الرنانة ومشاكساتها الآسرة، ولكن لا مهرب من الاعتراف: لا أحد يعوّض مكانكِ، يا أمي.

أحاول في شهر الصيام أن أحث هبة وشهد وأحمد على العبادات وقراءة القرآن، فأنا أعرف أن سمر لا يمكنها أن تكون حادةً معهم، أما أنا فأبقى أختهم الكبيرة وعليّ بعض مسؤوليات الأُم، وإن صغُرت.

ربما ترين _يا ملك_ كيف يحاول أبي الحبيب تعويضنا عن كل شيء، يجتهد لإسعادنا وصنع البهجة بيننا، لاسيما حفل ذكرى الميلاد ذاك الكبير الذي صنعه لي ولهبة محضرًا كعكة كبيرة، وأصوات الأغاني تصدح مهللةً فرِحة.

أتمنى من كل قلبي لو تعود أمي ساعة من نهار فقط لأُقبل يمينها وأهدي إليها الورود كما كنت في السابق، إذ كنت أفاجئها دومًا أنا وإخوتي بإحضار الهدايا دون علمها، ونجتمع حولها كلٌّ يستعرضُ هديته وينافس الآخر، وهي تطير بنا فرحًا وتُسلم علينا منهالةً بالقُبلات.

على صوت أذان المغرب وهذه الأجواء الإيمانية الباذخة المودة، ابتداءً من أبي الذي يتوضأ للصلاة، إلى يوسف أخينا الكبير الذي ينافس توأمه يحيى في تلاوة القرآن، فحسام الذي يتولى إحضار المستلزمات الرمضانية كافة بصحبةِ أحمد المشاكس، وأنا وهبة نتشارك مع سمر في إعداد السُفرة المتنوعة، وشهد توزع التمر والماء، أما عائشة فتدلق الكُوب بضحكةٍ غير آبهة بما صنعته، فيعلو رنين ضحكاتنا عليها؛ أستحضر هنا وجه أمي الغائبة وأنا أنظر إلى كرسيها الفارغ.

أفتقدكِ _أماه_ وجلساتنا معًا وأحاديثك عن ذكرياتك القديمة، أخي يحيى لا يزال حتى اللحظة يناديكِ سرًّا وجهرًا، ويهنئكِ بقدوم رمضان على (فيس بوك)، أماه قد استقبلناه دونك عامًا بعد عام، وأنتِ التي لا يعوضنا عنكِ شيء في الحياة، ونحيا على أمل اللقاء، أماه اسمحي لي أن أطبع على جبينك النوراني قُبلة في شهر الصيام وأُهدي إليكِ البِرَّ والرحمة والسلام.