فلسطين أون لاين

أبعاد

تقييم بالأهداف (18)

لكل حرب تداعياتها على الأفراد وعلى المنشآت والأمكنة، وعلى الاقتصاد والتجارة والمال، فكيف بحرب قصد منها العدو إهلاك المال والاقتصاد وتدمير البنيان، إلى جانب قتل الإنسان؟! من الطبيعي أن تخرج غزة جريحة ماليا واقتصاديا، وعمرانيا، حتى وإن حققت نصرا طيبا ذا مغزى. النصر هذا هو الآن موضوع دراسة في الأكاديميات ومراكز الأبحاث.

ما تقبله المواطن الغزي من مخرجات معركة "سيف القدس" من تضحيات بروح وطنية عالية ومحترمة، يشوه جماله وينغص قلبه بعيد وقف إطلاق النار تلكم الروح الجشعة التي تسكن بعض التجار، إذ رفعوا أسعار بضائعهم بنسب مختلفة بزعم إغلاق المعابر، وقلة الموجود؟! إن رفع أسعار بعض السلع يؤلم المقاومة، ويؤلم المواطن، ويجرح روح الصبر والأخلاق التي وقفت سندًا للمقاومة في أثناء المعركة.

نعم المعابر مغلقة الآن، ولكنها ستفتح غدًا، أو بعد غد، وحين يتراحم التاجر مع المواطن حتى تفتح المعابر يكون التاجر صاحب فضل ويد عليا، ويكون شريكًا للمقاوم وللشهيد. لا يصح ولا بجوز في العقل أن يضحي المقاوم بنفسه، وببيته، في حين أن التاجر لا يضحي بفائض المربح الذي يستجره من وراء إغلاق المعابر! إذا لم يتكاتف التاجر مع المقاوم تفسخ المجتمع، وتزايدت الاتهامات والشائعات.

غزة مجتمع مترابط في النسب، ومترابط بالقرب الجغرافي، ومترابط بحمل أمانة القدس والمقاومة. غزة ليست مجتمعا ممتدا واسع النطاق متعدد الجغرافيا والآفاق. غزة مجتمع صغير متلاحم، هذا المجتمع يرقب أبناؤه كل صغيرة وكبيرة في الأسعار وفي غيرها، ويدرك قيمة السلعة قبل المعركة، والثمن المطلوب فيها بعد وقف إطلاق النار، لذا يجدر بالتجار أن يكونوا على حساسية تتعامل مع هذه المعرفة بذكاء واحترام وقناعة، وطلب الربح الزائد من الله، فقد أخبرنا أن عنده المزيد لمن اتقى.

مجتمع المقاومة بحاجة لتاجر مقاومة، وبحاجة لمستهلك مسكون بالمقاومة، ولطبيب مقاوم، ولمهندس مقاوم، ولعابد في محرابه مقاوم. غزة في النهاية مجتمع مقاومة من الطراز الأول، وعلى سكانه الاستجابة الكريمة لقدر الله فيهم. ولا تكون ثمة استجابة بلا تراحم ونية وقناعة، وقد أخبرنا الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام أن التاجر الصدوق مع النبيين والشهداء يوم القيامة. هذه المنزلة العالية الرفيعة تتحقق للتاجر لأنه يعيش في جهاد مع نفسه الأمارة بالسوء على مدى الليل والنهار، ويدفع عن نفسه كل المؤثرات المغرية له برفع الأسعار وطلب المزيد منها من جراحات الناس بعد المعركة؟!

إذا تراحم التاجر مع المواطن، وتراحم الطبيب والمهندس مع التاجر والمواطن، وإذا تراحم المواطن القادر مع المواطن الضعيف وغير القادر، تماسك المجتمع، واقترب النصر، وكان في متناول أيدي المجتمع، وإذا كان العكس، انتكس المجتمع، وذلَّ أبناؤه للعدو، فاعتبروا يا أولي الأبصار.