سألني فقال هل ثمة فرق بين التهدئة والهدنة؟! وهل يمكن بناء هدنة مع دولة الاحتلال؟ نحن في غزة جربنا التهدئة مرات عديدة ولم تحقق لغزة شيئًا ذا مغزى غير وقف إطلاق النار، وأمور حياتية بحدها الأدنى.
قلت إن مفهوم التهدئة لا يبعد كثيرًا عن وقف إطلاق النار. أي هي وقف إطلاق نار مع بعض التوافقات على قضايا حياتية. أما الهدنة فهي حالة من الاتفاق أوسع من حالة التهدئة ولها أبعاد سياسية ووطنية. الهدنة اتفاق على وقف إطلاق النار، وعدم الاعتداء، لمدة زمنية محددة متفق عليها، وشروط ملزمة ذات بعد سياسي ودولي، ولكل طرف حرية العمل داخل مناطق نفوذه. هي شيء أكبر من الهدنة.
في عام ١٩٤٨م عقدت دولة الاحتلال هدنة مع الدول العربية لأنها كانت ضعيفة وفي مرحلة النشأة والتأسيس، وفرضت الحكومات العربية التهدئة بشروطها على الفلسطينيين، واستمرت الهدنة حتى عام ١٩٦٧م، وبعدها رفضت (إسرائيل) العودة للتهدئة، وطالبت العرب بمعاهدة سلام دائم واعتراف متبادل، وتمكنت من الحصول على ما طلبت من مصر والأردن ثم من منظمة التحرير الفلسطينية، ثم من دول عربية أخرى.
ضمنت دولة الاحتلال استقرار مصالحها من الدول العربية من خلال اتفاقيات السلام، ومنها التطبيع، ومن ثم أزالت دولة الاحتلال مهددات الحرب من العرب، وعزلت الفلسطينيين عن محيطهم، وعزلت مطالبهم ورؤيتهم عن العواصم العربية. وقد حققت الدولة العبرية إنجازات مهمة في مشروعها الصهيوني في المنطقة.
هذه المنجزات التراكمية الكبيرة انقلبت، أو تهاوت، بشكل أو بآخر في معركة (سيف القدس) على الأقل في النظرة الفلسطينية، ولا سيما بعد قصف المقاومة لتل أبيب ومناطق أخرى في وطننا المحتل، وبعد أن انتفضت الضفة، وأهلنا داخل فلسطين المحتلة، وباتت اتفاقية السلام والتطبيع ليست ذات مغزى كبير عند الشعوب. وربما تراجع أمر موضوع التهدئة وكأنها لم تعد صالحة لغزة ولمصالح الشعب. ومن هنا تولد فيما أحسب سؤال الهدنة. فهل يجدر بالمقاومة أن تطرح فكرة الهدنة ذات المغزى بما يناسب الحاجة الفلسطينية للبناء ثم التحرير؟ وهل فكرة الهدنة يمكن أن تحقق للفلسطيني وضعًا أفضل؟
يبدو أن هناك أسبابًا موضوعية محلية وإقليمية ودولية تفرض على القيادات الفلسطينية التفكير في مشروع الهدنة، إذا كانت الهدنة تقربنا من حقوقنا، ولا تبعدنا عنها.