ليس غريبًا أن أسألك هذا السؤال؛ فالصيام ليس كلمة تقال، بل الصيام هو توجه إلى الله (تعالى)، وهو حالة روحانية إيمانية، وبعد كل ذلك نقول إنه امتناع عن المفطرات.
قد يصوم الإنسان بامتناعه عن المفطرات كلها، وقد يشعر بالمشقة جراء ذلك، ولكن مع ذلك يصدق عليه قول النبي (صلى الله عليه وسلم): "رب صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش"، ذلك إن هذا لم يحقق في نفسه معنى الصوم كما أراده الله (تعالى)، ولم يحقق الحكمة التي من أجلها شرعت هذه العبادة، فالمعنى الحقيقي للصوم هو أن تشعر في أثناء صومك أنك عابد لله (تعالى)، والحكمة الكبرى من الصوم هي تحقيق التقوى في نفسك، تلك التقوى التي بها تبتعد عن محارم الله (تعالى)، فتتخف من كل إثم أو معصية، ولأنك تتوجه إلى الحق (عز وجل) تجد نفسك مدفوعة إلى الطاعة دفعًا، فتجني ما أعد الله (تعالى) لك من ثواب الصيام وأجره.
إذا كنت كذلك؛ كنت ممن قال فيهم المصطفى (صلى الله عليه وسلم): "من صام رمصان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه"، وهذا الحديث يؤكد أن ليس كل من صام هو صائم، فهناك من يصوم عادة، وهو الذي يعتقد أن رمضان هو مجرد مظهر احتفالي، وهو موسم لإعداد أطايب الأطعمة وأشهاها، وهو فرصة للتبذير والإسراف، فهذا يصوم كي لا يقال إنه مفطر، إياك أن تكون من هذا الصنف من الصائمين، بل كن ممن يصومون إيمانًا واحتسابًا، يعني ينبغي أن تكون مصدقًا بأن الله يستحق أن يعبد بهذه العبادة، وتحتسب الأجر عنده لا عند غيره من الناس، فلا تصوم رياء ولا سمعة.
من كان هذا حاله فهو متاجر مع الله، متاجر في وقت لا تبور فيه التجارة، فالوقت وقت الصيام، في شهر من فضائله أنه تضاعف فيه أجور أعمال العباد الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعين ضعفًا، في شهر العشرة التي أقسم الله بها، وشهر الاعتكاف والتراويح وليلة القدر، وكلها نفحات اجتمعت لك لتحصد ما يبلغك جهدك من الأجر.