بعد الإعلان الصهيوني عن وقف إطلاق النار بوساطة مصرية وقطرية، وكذلك إعلان المقاومة عن استجابتها للاقتراح الذي قدمه الوسطاء والمتعلق بوقف إطلاق نار متبادل ومتزامن يبدأ من الساعة الثانية فجر الجمعة الموافق 21 مايو 2021م، سبق هذا الإعلان بيان اجتماع الكابينت الإسرائيلي وبحضور قادة الأركان والعمليات في جيش الاحتلال الإسرائيلي، وعقد لقاء خاص بين "غانتس" وكبار الجنرالات في الجيش والمؤسسة الأمنية الصهيونية، حيث أظهر البيان قرار مواصلة الحرب على قطاع غزة عدة أيام أخرى لعدم إكمال جيش الاحتلال تحقيق كل أهداف عملياته العسكرية في القطاع، فما الذي دفع الاحتلال لوقف إطلاق النار مع أن المقاومة لم توافق على أيٍ من المقترحات المقدمة التي لا تحقق الحد الأدنى من شروطها، وإصرارها على التصدي للعدوان الصهيوني، وضرب العمق الجغرافي بمئات الصواريخ المتطورة والنوعية والتي شكلت صدمة كبيرة على المستوى الإسرائيلي وكذلك المستوى الدولي؟
من الطبيعي أن المفاجآت التي أظهرتها المقاومة في عمليات التصدي للعدوان الصهيوني، حققت الصدمة في صفوف الاحتلال، وهو من أهم المؤثرات التي يمكن أن تحقق أول خطوة للمقاومة في التحكم بمسار القتال. وكما يرى الخبراء العسكريون أن التحكم في مجريات الحرب ينبغي أن يستند لضربات استراتيجية تجعل العدو تحت تخدير الصدمة النفسية، وهو ما يجعل قيادة العدو تتجه نحو اتخاذ قرارات سريعة خارجة عن الحسابات الدقيقة للمعركة، وهي بالتأكيد قرارات عاجلة لا يمكن أن تحقق تغذية إيجابية تدلل على نجاعة تلك القرارات في إرباك خطط المقاومة واستراتيجيتها القتالية.
الجهد الاستخباري للمقاومة ساهم في نجاحها بمسرح العمليات وإدارة معركة سيف القدس والتصدي للكثير من العمليات الاستخبارية الصهيونية التي حاول العدو من خلالها الوصول إلى غرف التحكم والسيطرة، وهو ما يؤكد اتساع حالة الصدمة التي سيطرت على المؤسسة الأمنية والسياسية ودفعت نحو التفكير في الخروج من المعركة بأقل الخسائر، وهو بالتأكيد ما أوقف قرار تنفيذ عملية برية في قطاع غزة، لأن الخطوط الحمراء التي رسمها جيش الاحتلال الصهيوني في إدارة القتال اختُرقت وتحولت لخطوط تحت مصيدة أسلحة المقاومة المضادة للدروع والتي فرضت اغلاقًا تامًا على حدود غزة، ولم تسمح لقوات الاحتلال من النزول على الأرض.
المعطيات على الأرض والتحول السريع في نتائج المعركة التي ظن العدو أنها ستكون بالتأكيد ضمن أرصدته التاريخية، وفشله في تعزيز رصيده الدموي بالمنطقة منذ احتلال فلسطين عام 1948 دفعت الإدارة الأمريكية للتحرك العاجل والضغط على الوسطاء لوقف إطلاق النار، وهو ما أحرج الحكومة الإسرائيلية وأظهر عجزها عن تحقيق الهدف الاستراتيجي في قطاع غزة الذي تبحث عنه منذ سنوات، والذي ما زال يشكل التهديد الرئيس لمصالح الاحتلال في المنطقة ولأمنها القومي مستقبلاً.
الالتفاف الشعبي حول خيارات المقاومة، أظهر الكثير من المتغيرات، وهو منح المقاومة الشرعية الوطنية الفلسطينية، وأنها أصبحت الممثل عن الشعب الفلسطيني ولحماية المشروع الوطني، وهي من تتفاوض تحت مظلة جامعة للكل الفلسطيني، دون الانحياز لأي أجندات خارجية أو ضغوطات دولية، بل تتفاوض بقوة السلاح والتفويض الشعبي الشرعي، والإصرار على مواصلة القتال حال استمر العدو في ارتكاب المجازر بحق أبناء شعبنا.
أوقف العدو النار، وبقيت المقاومة على جهوزية تامة لأي خرق صهيوني، ومن المؤكد أن العدو لا يحترم ميثاق أو قانون أو عرف، بل يبحث عن متنفس لتحسين صورته الذهنية أمام حلفائه وأمام الجبهة الداخلية الإسرائيلية، فالحماقة متوقعة، والعملية لم تنتهِ بعد، والمزيد من الحذر يعد ردًا كبيرًا على ما يخطط له العدو، لأن في الحذر قوة وحكمة، والحكمة تقودنا إلى رفع شارة النصر وكنس الاحتلال.