في سباق مع الزمن عملت المقاومة الفلسطينية على تطوير قدراتها العسكرية والأمنية التي أحيطت بكثير من المهددات والمتغيرات على الأرض، ولا سيما أن من يقود هذه المرحلة هي غزة، التي ما زالت ترزح تحت الحصار منذ ما يزيد على ثلاثة عشر عامًا، حاول خلالها العدو الصهيوني أن يجهض كل مفاعيل قوة المقاومة التي يدعمها القرار السياسي في غزة ويحمي ظهرها تحصين المجتمع الفلسطيني من الاختراق الخارجي.
أظهرت هبة القدس المباركة جوانب كثيرة من إستراتيجية المقاومة سواء في الجانب الإعلامي أو السياسي أو الحسم العسكري، حيث أظهر الإعلام المقاوم الجرائم الصهيونية في القدس والمسجد الأقصى، ومواصلة هذه الجرائم في كل مدن الضفة المحتلة التي قُسم ظهرها بفعل التنسيق الأمني، وتوسُّع المستوطنات، ونصب الحواجز العسكرية، وتفتيت الضفة إلى ثكنات أمنية تحت رقابة أجهزة الأمن الفلسطينية والإسرائيلية.
رصدت المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها كتائب القسام كل ما يجري في القدس، ومن تراجع للموقف الدولي والعربي، والتنصل التام للسلطة الفلسطينية من مسؤوليتها تجاه القدس والمسجد الأقصى، وقرار الحكومة الصهيونية بتهجير حي الشيخ جراح، وعربدة الشرطة الصهيونية على المصلين، ومناشدات المضطهدين من أهلنا في القدس إلى قائد أركان كتائب القسام المجاهد محمد الضيف، الذي لبى نداء القدس ونداء الأحرار والحرائر، فكان وعد الضيف للقدس سيفًا.
أبدعت المقاومة في إستراتيجيتها القتالية على الأرض وأظهرت الكثير من المفاجآت التي جعلت العدو يقف على قدم واحدة بعد توجيه ضربات عسكرية صاروخية موجعه نحو تل أبيب والقدس وعسقلان وبئر السبع وأسدود ومدن الغلاف، أصابت العدو في العمق، وألحقت به عشرات القتلى والجرحى، وتدمير جزء من البنية التحتية الصهيونية التي جعلت ما يزيد على أربعة ملايين صهيوني يتدافعون نحو الملاجئ.
والسيف أصدق أنباءً من الكتبِ هو الترجمة الحقيقية لمعركة سيف القدس، والكلمة لا تقل حدتها عن الصاروخ، وإظهار الحقيقة وصور الخسائر التي مني بها العدو هو ما عزز صمود أبناء شعبنا، فإستراتيجية ضرب الصورة الذهنية للعدو أمام المجتمع، وتفعيل كل القوى الإعلامية المقاومة يُعد من أبرز ما قدمته المقاومة للمشاهد العربي والعالمي وكل المتضامنين مع قضيتنا العادلة، وقد جسد الناطق الإعلامي لكتائب القسام أبو عبيدة رمزية المقاومة والعزة، والصورة التي شرّفت أهلنا في الداخل والخارج وفي كل أصقاع الأرض.
إعلام المقاومة نال شرف الصدق والمتابعة من ملايين المشاهدين، وأصبح يشكل الحلقة المركزية التي تنقل الحقيقة، وتنقل صورة ما يجري على الأرض بكل التفاصيل الدقيقة، ونسفت ما يروج له العدو عبر قنواته العبرية وبعض الوسائل الإعلامية الأخرى التي حاولت النيل من صمود شعبنا. وكما عودتنا المقاومة أن الفعل يسبق البيان، فكان البيان الصورة التي تتحدث عن الفعل وهو ما لم ينجح به العدو في حربه على غزة، وفشله في كسر إستراتيجية إعلام المقاومة.
أيضًا من بين قواعد إستراتيجية المقاومة هو النِّديَّة التي أظهرتها أمام العدو، فلم يقُم سلاح الجو بتنفيذ غارة على غزة إلا ووجهت المقاومة رشقاتها الصاروخية على قاعدة "القصف بالقصف"، وهو ما أخبر به أبو عبيدة "إن زدتم زدنا"، وبالإشارة إلى ذلك نلحظ أن هناك حالة من فقدان التوازن للجيش الصهيوني أمام حرص المقاومة على الرد العملياتي السريع واستهداف المباني في المدن المحتلة، وإلحاق الأذى والخسائر البشرية والمادية في المدن التي تتعرض لنيران المقاومة، وهو ما زاد من اهتمام الإدارة الأمريكية تجاه وقف إطلاق النار، لأن إستراتيجية الصدمة التي أعدها العدو لسكان غزة فُقدت أمام صلابة المقاومة وحفاظها على تماسك الجبهة الداخلية الفلسطينية.
نجحت المقاومة في تحصين الجبهة الداخلية على قاعدة "يد تقاوم ويد تقدم العون" وهي إستراتيجية ساهمت في تأمين وحماية ظهر المقاومة، وحيّدت عملاء العدو عن الكثير من الأهداف التي وقعت تحت نظر الاحتلال، ومنحت الفرصة لكل المتعاونين أمنيًا مع العدو بالعودة إلى الخندق الذي يتمترس فيه شعبنا أمام آلة الحرب الصهيونية، وهي ما أفقدت الجيش الصهيوني الكثير من الأهداف التي فشل في الوصول إليها، وقوضت الجهد الاستخباري لأجهزة أمن الاحتلال، وبددت آمالهم وأحلامهم في ضرب أهداف إستراتيجية وحيوية للمقاومة.
انتصرت المقاومة بفضل الله تعالى، ثم بصدق الصادقين، وجهاد المرابطين، وعزائم الأحرار الميامين، والقادة المخلصين الذين هم لعدوهم قاهرين. انتصر سيف القدس وأعز الله تعالى به شعبنا والضيف.