من أي صخر تجمّد قلب هذا الإنسان، الذي يلمس بطرف إصبعه هذه اللمسة الشيطانية فتنطلق قنبلة تعدل مئات الأطنان من المتفجّرات لتخرّ عمارة شاهقة صريعة كتلة هامدة، عشرات الشقق السكنية والمكاتب تتحوّل في ثوانٍ إلى رماد، تاريخ حافل من الذكريات وحركة الحياة تتحوّل إلى عدم وموت ودمار، تنخلع القلوب من صدورها وترتجف الأركان لترى جرائم إنسان لا يعرف لغة الإنسان وإنما لغة قتل كلّ ما في الحياة من حياة. تتناثر روح الإنسان وتتحوّل إلى شظايا تذهب بعيدا لتملأ أرجاء الكون ظلما وقهرا وعربدة على ضفاف هذه التي كانت تسمّى حياة.
ما هوية هذا الإنسان الذي يجيز لنفسه في هذا العصر الحجري أن يفعل هذا؟ عاد هذا العصر إلى حجرية الإنسان لأنه لم يعد له قلب إنسان، هذا الظالم المجرم فقد روح الإنسان فصار قلبه حجريا، والمظلوم صعقته وفجعته وزلزلت أركانه المشاهد المريعة والأصوات المرعبة.
لقد زُلزل الناس زلزالا شديدا ومستهم بأساء وضراء هذه الشرذمة الساديّة المتوحّشة، أخرجوا أنيابهم الصفراء، وكأنها كانت تُشحذ وتُسنّ منذ آلاف السنين، مذ كانوا يهزؤون بنبيّهم الذي أرسله الله إليهم وجاءهم بهداية السماء فأداروا لها ظهورهم وصمّوا لها قلوبهم وقالوا قلوبنا غلف. مذ تحايلوا على ربّهم بسبتهم ومذ مسخهم الله قردة وخنازير بعد أن عجّبوا على أنبيائهم، حملوا قذارة تاريخهم وارتوت قلوبهم بقذارة كل الأمم والشعوب التي مرّوا بها والتي كان آخرها هذه السادية النازية الهتلرية، جاؤوا بروح جمعت الشرّ كلّه، شرّ الأقدمين والمعاصرين، رمونا بأحقادهم التي صنعوا منها قنابلهم المدمّرة ثم ألقوها على رؤوس الأطفال والنساء والمدنيين الآمنين.
وعندما يخرج للحياة من وسط هذا الركام الهائل من أحقاد بني (إسرائيل) وإجرامهم الذي يسوّي عمارة الحياة بأرض الموت، طفل يعزف لحن الحياة، بعيون دامعة وقلب مكلوم، لم يعد له من عائلته أحد، جفّفوا ينابيع الحياة من روحه وقطعوا كلّ أوصال القلب والروح فيه، أبقوه معلّقا بين السماء والأرض، لا أدري كيف لو قدّر لعيني ذاك المجرم الذي ألقى بالقنبلة أن تلتقي بعيني هذا الطفل، كيف سيعود وكلّ من يقف خلف هذا الدمار لممارسة حياتهم الطبيعية؟ كيف يقبّلون أطفالهم، ألا يتذكّرون الطفل الغزاويّ المكلوم؟
لقد صدّعوا عقل البشرية بقصص مآسيهم التي صبّتها النازية على رؤوس أجدادهم، ثم ها هم يمارسون الفعل ذاته على الفلسطينيين، ويقبل العقل الغربي ذلك، الألماني الذي يجعل من الفلسطيني قربانا لجرائم أجداده النازيين فيعوّض كل عام اليهود ويسكت على جرائمهم معنا، والبريطانيون المستمرون في حمل وزر وعد بلفور إلى يومنا هذا، وذاك الفرنسي المأفون (كاميرون) الذي يمنع التظاهرات المتضامنة مع مجازر الفلسطينيين، والأمريكي صاحب الدعم اللامحدود في كلّ المجالات: العسكرية والسياسية والمادّية... الخ.
الناجي الوحيد يضع العالم أجمع أمام ضميره فيرفع أناسا وقفوا معنا متضامنين ويلعن أناسا قابلوا هذا الإجرام بصمت أو تأييد، لقد انتفض العالم بغالبيته العظمى أمام هذه الصورة التي تصدرها هذه العصابة المجنونة، لقد ثبت للقاصي والداني أننا لسنا أمام دولة محتلّة فحسب وإنما أمام أناس متعطّشين للدماء، عنصريين، متوحّشين، لا يرون في الأغيار إلا الموت والهلاك والدمار، والأغيار عندهم كلّ من هو من سواهم، يبيحون لأنفسهم ارتكاب كلّ المحرمات ويستخدمون من السلاح ما هو أشد فتكا وتدميرا، والهدف غالبا ما لا يكون حاضرا سوى إشباع رغباتهم النازيّة وأحقادهم الدفينة.
الناجي الوحيد سيلاحقكم مع كلّ من نجوا من مجازركم المقيتة ولم تطله نار أحقادكم، من نجى من مجازر: دير ياسين والدوايمة وقبية واللد والرملة وكلّ مدينة وقرية طهرتموها عرقيا من سنة ثمانية وأربعين، ومجازركم في لبنان صبرا وشاتيلا وقانا وقطاع غزة الذي تحوّل إلى مجزرة مفتوحة لنيران قنابلكم الفسفورية والعنقودية وما نعرف اسمها وما لم نعرف، من القاتل والمدمّر. مجازر للبشر والأبراج والأبنية السكنية والمصانع والمزارع.
الناجي الوحيد وكل من نجى من هذه المجازر المتعددة والمتشعبة (وحتى لا نتحوّل إلى بكائيات) يرسل لنا رسائله من روحه ودمه: "علينا التحوّل إلى دائرة الفعل واستخدام كل ما نملك من نفوذ":
- علينا أن نواجه كل هذه الأحقاد التي أنتجت كل هذا الإجرام بغضب مواز يلاحق كل صهيوني أو إسرائيلي حيثما ما وجد لنا نفوذ في العالم العربي والإسلامي وكل البلدان التي تقف معنا من أحرار العالم، يجب أن يعامل هذا الجنس من البشر على أنه مجرم ومصرّ على ممارسة الجريمة بأبشع صورها وأن لا يرحب به أبدا بل يعامل بالنبذ والطرد والملاحقة كما يُفعل مع عتاولة الإجرام، وكل يهودي ليس صهيونيا عليه أن يعلن براءته من الحركة الصهيونية وهذا الكيان المجرم حتى لا تطاله دائرة الغضب والانتصار للضحية الفلسطينية. وهذه ليست عنصرية وإنما ملاحقة لعنصريتهم المقيتة.
- المقاطعة الاقتصادية وإن لم نتمكن منها رسميا على مستوى الحكومات فعلى المستوى الشعبي، أن تحرّم كل منتجاتهم ومنتجات من يدعمهم ويقف معهم، الأمريكي والبريطاني والفرنسي وكل من يرفع علم هذا الكيان في بلده.
- أن يستمر العمل الإعلامي والثقافي التحريضي عليهم وعلى كلّ من يساندهم دون توقف، يجب أن تحتقرهم كلّ شعوب الأرض وأن ينظر إليهم كما ينظر إلى الشواذ من الذين ينتهكون حقوق وقوانين الإنسان المعترف بها عالميا.
- هذا ومن باب التأكيد بالإضافة إلى كل أشكل المواجهة والاشتباك القائمة بالفعل والتي تؤدي إلى الردع والألم المتبادل الذي يجري تطويره بصورة صاروخية على قدم وساق.
يجب ألّا نتوقّف في مناصبتهم كلّ أشكال العداء كما أنّهم لا يتوقّفون عن ممارسة كلّ هذا الإجرام. تماما كما يجري التعامل مع الشيطان من قبل أهل الحق: " وأنّ الشيطان لكم عدوّ فاتخذوه عدوّا".