رغم الكثافة النارية الهائلة التي استخدمها الاحتلال في عدوانه الأخير على غزة، لكنه ترك خلفه جملة من الإخفاقات، لعل أهمها فشل جيشه في إحباط إطلاق الصواريخ، حيث لا تزال الكثير من الأسلحة الاستراتيجية الرئيسة للمنظمات المسلحة في غزة قابلة للاستخدام، ما يسمح لها بتهديد (إسرائيل)، والحفاظ على توازن الرعب أمامها.
صحيح أن ضبط النفس سيدفع المقاومة للتفكير والتريث قبل إطلاق الصواريخ باتجاه (إسرائيل)، لكن قدراتها المادية على القيام بذلك حقيقة يجب على (إسرائيل) أن تأخذها في الاعتبار.
وصحيح أن العملية البرية في قطاع غزة كانت ستسمح لجيش الاحتلال بإكمال مهمة تدمير الصواريخ بالكامل، لكن يمكن الافتراض أن النتائج كانت أفضل من عملية رقمية بحتة نفذت عبر سلاح الجو فقط، رغم أننا سنكون آنذاك أمام أسابيع عديدة، إن لم يكن شهورا طويلة، حتى نتوصل إلى النتائج المرجوة، خلال هذا الوقت الطويل، لن تتمكن (إسرائيل) من العودة لحياتها الاقتصادية والطبيعية.
إن إجراء مقارنة بعدد الصواريخ التي أُطلِقت من القطاع، سنرى أن نسبة الاستهدافات الإسرائيلية لقدراتها الصاروخية ما زالت قليلة نسبياً، كما أن فشل الحماية في عسقلان وأسدود والتجمعات الاستيطانية غير المسيّجة في الجنوب أمر خطِر.
أما من ناحية الوعي، فقد كانت حرب غزة الرابعة أقل نجاحًا من جانبها العسكري، لأن حماس سجلت بعض الإنجازات الفكرية والسياسية في بداية القتال، عندما رسخت نفسها في الرأي العام الفلسطيني بوصفها مدافعة عن القدس والأقصى، وهي لا تتحدث فقط، بل تضع الإسرائيليين في ملاجئ، ما دفع الحكومة الإسرائيلية إلى الانسحاب من المسجد الأقصى.
وفي حين نجحت حماس في إثارة وتسخير الشبان الفلسطينيين، ليس فقط في القدس، ولكن أيضًا في الضفة الغربية وفلسطينيي48، وكذلك في الشتات الفلسطيني، فقد سجلت الحرب فشلا إسرائيليا آخر معروف بـ"الدعاية"، حين دارت حرب الإعلام والوعي في أثناء القتال بشكل رئيس على شبكات التواصل الاجتماعي، ليس فقط بين (إسرائيل) وأعدائها، ولكن أيضًا بين الإسرائيليين وأنفسهم.
في مجال الدعاية لم تكن (إسرائيل) في أفضل حالاتها، ورغم ما قام به المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي هايدي زيلبرمان، فإن خللا بسيطا لم يتحدث فيه بوضوح تسبب في غضب العديد من الشخصيات الدولية والأمريكية، حين اعتقدوا أن جيش الاحتلال الإسرائيلي دخل قطاع غزة من الأسفل، وفي الوقت ذاته فشل الجهاز الحكومي في المجال الدعائي.
هناك إخفاق واجهته (إسرائيل) في المجال السياسي، صحيح أن إدارة بايدن أظهرت أن الولايات المتحدة حليفًا مخلصًا وواضحًا، لكن الاختلافات التي شهدناها في المواقف السياسية الداخلية الأمريكية تجاه حرب غزة، تجعل الاحتلال أمام واقع أكثر ضغطا عليه في واشنطن في المواجهات العسكرية اللاحقة.