فلسطين أون لاين

تقييم بالأهداف (٣)

قلنا في المقال رقم (٢) إن المقاومة تمكنت في هذه المعركة من كسر هيبة دولة الاحتلال، وكسر هيبة حكومتها وجيشها، وتمكنت من تمريغ هذه الهيبة المزعومة في تراب فلسطين المحتلة، وعلى مسمع ومرأى من السكان اليهود، الذين هم الشهود رقم واحد على سقوط هذه الهيبة.

واليوم نتحدث عن المقابل، وعن الهيبة وعلاقتها بالردع. الهيبة هي الحالة أو الصورة التي تبنيها الدولة حول نفسها وجيشها وحكومتها، واقتصادها، من خلال سنين طويلة، وأعمال عديدة ومختلفة. والردع هو الجانب العملياتي لهذه الهيبة، الذي تظهر آثاره عند الخصم بلجم إرادته عن القتال، أو مقاومة الاحتلال، خشية من فاتورة الدم والدمار التي يمكن أن تحل به من جديد.

دولة الاحتلال وجيشه عاشا فترة على أسطورة (الهيبة والردع)، لا سيما بعد هزيمة العرب في عام ١٩٦٧م، في ست ساعات، وتحطيم القوة العسكرية لمصر وسوريا والأردن معا.

بعد هذه الهزيمة قررت هذه الدول الذهاب للمفاوضات مع العدو وترك القتال، والتوقف عن فكرة تحرير فلسطين. وباتت هذه الدول مردوعة ذاتيا بالهيبة من قوة العدو وطول يد جيشه وقدرته على التدمير.

اليوم في رمضان ١٤٤٢للهجرة، مايو ٢٠٢١ للميلاد قامت المقاومة الفلسطينية في غزة بكسر هذه الهيبة، وتدمير أسطورة الردع، وباتت يد المقاومة هي العليا، وهي التي تقرر أي منطقة ستضرب، وفي أي ساعة ستضرب، دون اعتبار كبير لقصف جيش الاحتلال، على نحو يمكن القول معه إن المقاومة قطعت يد الاحتلال الطويلة وجعلت المستوطن الإسرائيلي يسأل عن الردع: أين هو؟! ولماذا ندخل الملاجئ في الذكرى الـ٧٣ لقيام الدولة، إذا كانت لدينا قوة ردع مخيفة؟! لماذا تخاف الدول من ردعنا، ولا تخاف غزة من قوتنا ومن ردعنا، وتواصل القتال، وتقول وإن زدتم زدنا؟!

غزة المقاومة هي التي اكتسبت الهيبة لذاتها، وهي التي حققت قدرا مهما من الردع. يقول المستوطن: غزة تضربنا وترد على كل ضربة لنا بمثلها أو بما هو أزيد. غزة تلقت صواريخ جيشنا بشجاعة وصدرت لنا صواريخها وتلقيناها بجبن وخوف. قصفنا الأبراج والمساكن لأننا فشلنا في قتل العسكريين، فردت علينا غزة بقصف تل أبيب وسائر مدننا. خسائر غزة المالية هي بملايين معدودة، وخسائرنا بملايين غير معدودة. غزة فضحتنا في العالم من خلال صور قتلنا للأطفال وهم في منازلهم، ومن خلال هدم الأبراج، ولم يعد العالم يصدق دعوانا أننا نحارب العسكريين ومطلقي الصواريخ ونحمي المدنيين.

غزة قالت للجميع، ونادت بالحاضر والغائب، قائلة بالعمل: (لا هيبة ولا ردع ) بعد اليوم لا لدولة الاحتلال ولا لجيشها ولا لحكومتها، وعلى كل من له حسابات مع هذه الدولة المحتلة المارقة أن يجهز نفسه للانتقام ولاستيفاء حسابه دون خوف أو وجل. خلاصة القول وعليه كثيرون، غزة ضربت عليهم الذلة والمسكنة التي نبه لها الكتاب الحكيم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. رغم ما في غزة من جراح، فلله الحمد أولا وأخيرا. وعلى المحتل أن يتذكر أنه بعد ٧٣ سنة من الاحتلال وبناء القوة بات بلا هيبة وبلا ردع، وبات الوجود في خطر.