مع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، قدرت أوساط عسكرية إسرائيلية أن إطلاق حماس الصواريخَ على مدينة القدس المحتلة، هو تحدٍّ يمثل أمام (إسرائيل)، ولعلها تجد نفسها أمام خيارات بين ضبط النفس، أو الرد بقوة غير متناسبة، فما قامت به حماس لم يترك لـ(إسرائيل) أي خيار سوى الرد بضربة مضادة شديدة.
مع العلم أن العنوان كان مكتوبا على الحائط، فمنذ بداية شهر رمضان، قامت حماس بشكل منهجي ببناء قضيتها حول القدس، وبدأت بإطلاق صواريخ من غزة، واستمرت بتحذيرات أصدرها قائدها العسكري محمد الضيف، لكن الإنذار الذي أطلقته بإجلاء جميع رجال الشرطة من المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح، شكل ذروة تحديها لـ(إسرائيل).
لقد سعت حماس لإثارة العاصفة في القدس، وإبلاغ (إسرائيل) والمنطقة أنها صاحبة الأرض في القدس، وأي ضرر يلحق بها سيتم الرد عليه من غزة، وهذه معادلة لا تستطيع (إسرائيل) التعايش معها، وهذا يعني أن الحركة ماضية في جهودها بأن تصبح راعية للقضية الفلسطينية والقدس، وهذا يشكل خطراً حقيقياً بالنسبة لـ(إسرائيل)، وإذا تركت حماس دون رد، فقد ينتهي بها الأمر لتسريع محاولاتها للسيطرة على الضفة الغربية.
مع اندلاع العدوان الإسرائيلي الحالي، ربما يمكن الحديث عن خطوات إسرائيلية عبر ثلاث قنوات رئيسة: أولاها إحباط وتعطيل إطلاق الصواريخ قدر الإمكان؛ وثانيتها إلحاق ضرر كبير بالأذرع العسكرية وبنيتها التحتية، وثالثتها توجيه ضربة قاسية لمشروع التسلح الحمساوي الذي اكتسب زخماً في السنوات الأخيرة خلال هدوء القطاع.
من المحتمل أن تستمر الحملة العسكرية بضعة أيام، وقد يكون لها أيضًا أثمان بشرية، لكن الانحدار السريع سيضر بشكل مباشر بالردع، لأنه في نهاية اليوم، ستعود الأطراف لنقطة البداية، لكن إطلاق الصواريخ على القدس إنجاز تحقق، وسجل باسم حماس، وسوف تسعد بدفع سكان غزة للاحتفال.
كما أن هذا الجهد متعدد الأوجه أدى لتعليق مناورات هيئة الأركان العامة التي بدأت بوقت سابق، وهذا إنجاز آخر لحماس؛ فبدلاً من استعداد جيش الاحتلال للحرب في ساحته المركزية الشمالية ضد حزب الله، فقد وجد نفسه في صراع مع غزة، رغم أن الساحة الفلسطينية كانت ثانوية وجزءًا من تمرين قيادة الأركان، لكنها فرصة جيدة للجيش لمعرفة ما إذا كان مستعدًا بالفعل للقتال متعدد الساحات، وإلى أي مدى.
من الأفضل لجيش الاحتلال فحص التقييمات الاستخباراتية التي أصدرها في الأسابيع الأخيرة، حين زعم أن حماس مردوعة، وستحاول إشعال القدس، مع الحفاظ على هدوء غزة، وهي تقييمات ثبت أنها خطأ، وربما أدت إلى سوء السلوك العسكري المطلوب لإعادة الحساب، ولكن بتكلفة أعلى بكثير لإعادة مقاليد الأمور لنصابها.