فلسطين أون لاين

رمضان "أمل" في الغربة.. وحشة كبيرة

...
أنقرة-غزة/ هدى الدلو:

"رمضان في الغربة لا يمكن أن يكون طعمه كرمضان وأنت في وطنك بين أحضانه، الذي تحفظ كل تفاصيله، كأنشودة روحانية تهدهد روحك" هذا أول ما استهلت به أمل إرحيم حديثها عن رمضان في الغربة وأكثر ما تفتقده في بعدها عن الوطن والعائلة.

أمل الشابة الثلاثينية التي اضطرت للسفر إلى ماليزيا قبل عامين للحصول على درجة الدكتوراة تقول: "كنت أستعد لرمضان روحيًّا، وبشوق يذكرنا بأن الشهر الفضيل على الأبواب، جاء ليزورنا، ليلملم ذنوبنا وينثرها في فضاء المغفرة، ويذكرنا بأننا لم نزل قادرين على المسامحة والمغفرة، إن سحبتهما الأيام منا".

كانت في رمضان في الأعوام الماضية تذهب مع أبنائها إلى سوق الزاوية بغزة، وتشتري الزينة، خاصة لطفلتها الصغيرة التي عودتها ذلك، لإنارة البيت بالهلال وصور المسجد والفوانيس، آملة أن تنسج بينهم وبين رمضان صلة وثيقة بالفرح، لتنعش فيهم علاقة الطفل بالزائر الذي تعد له وتستقبله بكل البهجة.

تضيف بنبرة حزينة لصحيفة "فلسطين": "الآن وقد غبت عنهم باتوا يفعلون ذلك بمشاركتي عن بعد، ففي رمضان الماضي والحالي اشتروا أغراض الزينة وبدؤوا صنعها وفتحوا محادثة (واتس آب) مرئية معي، وقضوا الوقت وهم يتحدثون عن أجواء رمضان وذكرياته، وكيف رأوا الناس في الشوارع واستعداداتهم المادية، وكان أكثر ما يذكرونه جلساتنا وجمعاتنا وزيارات الأهل وحلقة قراءة القرآن".

إنه رمضان الثاني الذي يمر عليها في الغربة، فمر رمضان الأول وهي بعيدة عن أهلها وأبنائها في ماليزيا، تتابع: "واليوم يمر وأنا بعيدة عنهم أيضًا في تركيا، إنها الضريبة التي يدفعها الفلسطيني لكونه فلسطينيًّا، فمن خرج للتعليم يفكر ألف ألف مرة قبل أن يقدم على العودة، لأنه لا يضمن عمل المعبر أو الظروف، فقد تنهار دراسته بأكملها، إن لم يستطع الرجوع في وقت محدد، وهذا حال معظم من يغادرون للدراسة، فأكثرهم يفضل الانتهاء ثم العودة".

أكثر ما يوجع قلبها حالة الشوق التي تعتري قلبها لجمعة أبنائها حولها، والجو العائلي المليء بالدفء والحب.

تواصل حديثها: "يؤلمني أني لن أسمع صوت جنتي (أمي الحبيبة) في رمضان، إذ إنها توفيت قبل شهرين، رحلت دون أي وداع، وغادرت فجأة، صعب على قلبي ألا يطمئن بصوتها وصورتها عبر مكالمة فيديو يتيمة الحضن، صعب أن يمر رمضان دون أن أقول لها: "كل عام وكل رمضان ونورك بيننا ساطع بالحب"، دون أن تسألني أين وصلت في دراستي ومتى أعود".

ويبدو لأمل أن رمضان سيكون صعبًا جدًّا دون أن تكون قرب قدوتها الذي ساندها على مر مراحلها الدراسية كلها من الثانوية العامة التي عادت لها بعد انقطاع حتى الدكتوراة الآن، إنه والدها، الذي لا ينفك يسألها عن كل التفاصيل في دراستها ويطمئن عليها، ويلفه الوجع بفقد والدتها، ومع ذلك يخشى عليها اجتماع الفقد والغربة معًا فتصاب باضمحلال الأمل ولا تكمل طريقها.

وتبين أنه في الغربة لا تكون عادات المجتمعات متشابهة، فللعام الثاني مع جائحة كورونا تستقبل رمضان وقوانين الحظر لم تزل سارية، وإن كانت مقننة، فإنها تمنع التجمعات والتجمهر، وصحيح أن ماليزيا وتركيا بلدان إسلاميان لكن عاداتهم تختلف عن عادات وطنها، فضلًا عن الواقع الذي فرض نفسه، فلم يسمح لها بالتقاط عادات المجتمعَينِ في ظروف طبيعية بسبب الحظر المتبع.

الدفء العائلي

وتعود أمل للقول بصوت يعتريه الشجون: "يبقى الدفء العائلي والفطور على مائدة واحدة وصوت ابتهالات المسجد قبل أذان المغرب هي أكثر ما أفتقد".

وترى أن ما يهون الغربة على النفس وجود بعض أفراد من العائلة والأحبة قربها، الشيء الذي يخفف من وطأة الشعور بالوحدة، لذلك تحاول قدر المستطاع أن يجتمعوا على مائدة واحدة بين الفينة والأخرى.

"أحاول أن أتصل بأبنائي في أثناء إعدادي الفطور والتواصل معهم وأنا في المطبخ بمكالمة مرئية، ونستشعر جو العمل في التوقيت نفسه، فتوقيت تركيا مشابه لتوقيت غزة بعد أن كان الفارق بين غزة وماليزيا ست ساعات تؤرق علاقة التواصل بيننا، واعتدت في بعض المرات أن أقرأ سورة الكهف يوم الجمعة مع أبنائي عبر (الواتساب) بالمشاركة، وأظنني سأفعل هذا في قراءة القرآن عمومًا من وقت إلى آخر لأني اشتقت لذلك" تواصل كلامها.

الغربة كما تراها أمل ليست سهلة أبدًا، وليست جميلة كما يظن بعضٌ، خاصة حين تمر المناسبات الدينية كرمضان والأعياد، إذ تشعر "بوحشة كبيرة وفراغ مميت"، "فيحس المغترب كأنه منفصل عن أجزاء قلبه، أنه في عالم ليس عالمه، ويستذكر كل ذكرياته العائلية وطقوسه الدينية في وطنه".

وتوجه رسالة لكل مغترب: "إن كان بمقدورك أن تحيا حياة كريمة في وطنك فلا تتأخر في العودة، وإن كانت الظروف أقوى منك فحاول ألا تنفصل عن حياتك السابقة بالكلية؛ لأنك ستفتقد كل ما يفوتك من أصوات أحبتك ومشاركتهم في تفاصيل حياتهم، من حياة لن تجدها في الغربة، مهما كانت جميلة، إنه الدفء الحقيقي".