ليس كالقدس محرك لغضب الفلسطينيين، وليس كالمسجد الأقصى المبارك موحد لجهود المنتفضين المضحين دفاعًا عن دينهم ومسجدهم. نعم، حين تلعب دولة الاحتلال بالتعاون مع المتدينين والمستوطنين في المسجد الأقصى فهي تلعب بالنار، وهي تؤجج مشاعر الانتقام لا في القدس وحدها، بل في كل مكان من فلسطين المحتلة.
ليلة أمس كانت ليلة من ليالي الشهر المشهودة في فلسطين وبالذات في القدس. المدافعون عن حرمة المسجد الأقصى لم يناموا، ولم تتوقف دعواتهم للانتقام، وقدموا ٢٠٥ إصابات بعضها خطرة، ولم يتراجعوا أمام قوات الجيش الصهيوني والشاباك، بل واصلوا الضغط حتى تمكنوا من إجبار الجيش على الانسحاب من المكان.
الليلة هي ليلة السابع والعشرين من الشهر المبارك، وهي ليلة القدر في أرجح الأقوال الفقهية، ويبدو أن ليلة القدر في فلسطين لا تكتمل إلا بشد الرحال إلى المسجد الأقصى، لا لإحياء الليلة بالصلاة والذكر فحسب، بل به وبالدفاع عن حرمة المسجد ضد عدوان المستوطنين والمتعصبين اليهود، وضد جيش العدو الذي يقوم بحمايتهم في تدنيسهم لحرمة المسجد.
إذا قدر لك أن تمضي ليلة القدر في رباط داخل الأقصى، وفي نفرة مجاهدين لحمايته عندها تشعر بفارق كبير بين إقامتها هناك وإقامتها في مسجد آخر بعيدًا عن القدس. ليلة قدر مع جهاد ونية شهادة، غير ليلة قدر دون جهاد وطلب شهادة. وفي كل خير.
في غزة يتشوق المصلون للأقصى، ولساحاته، وللرباط فيه، وللدفاع عنه، وهم يحترقون شوقًا لإقامة هذه الليلة فيه، ولكن الاحتلال يمنعهم من مسجدهم، فهم يعيشون الرباط في غزة بالنية، وبالدعاء للمرابطين بأن يعينهم الله في الدفاع عن قبلته الأولى.
غزة والقدس جسد واحد لا تفرق بينه المسافات، ولا تمنع تلاحمه العاطفي العوائق، ولن تخذل غزة القدس وأهلها، ولا المسجد والمرابطين فيه، وكل الفصائل أعلنت بوضوح أن يدها على الزناد، وأنها تنتظر الأمر بإطلاق صواريخها الرابضة على المعتدين.
أما جامعة الدول العربية فيمكنها البقاء صامتة، لأن الجراح لا تؤلم الأموات، بل تؤلم الأحياء، وعلى قادة الدول التي تتنافس على المسؤولية على المسجد الأقصى أن تستحييَ من الله وهي ترى ما يجري في المسجد، وتلوذ بالصمت، ولا تقول لبايدن ما قاله المغني البريطاني: "ماذا أنت فاعل إذا جاء مستوطن أحمق ليطردك من منزلك"؟! الدفاع عن الأقصى شرف لا يناله إلا من أخلص النية للدفاع عن دين الله وحرمة قبلته الأولى.