فلسطين أون لاين

تقرير "ساحة معركة".. هكذا تصدى المقدسيون لاعتداءات الاحتلال على "الأقصى"

...
صورة أرشيفية
القدس المحتلة–غزة/ يحيى اليعقوبي:

بقيت لحظات على انتهاء مناوبة الشمس مساء الجمعة ويفرش الليل ستاره الأسود، لحظات ويرفع أذان المغرب في المسجد الأقصى، أنظار الناشط المقدسي فخري أبو دياب تلتفت إلى حجم تعزيزات شرطة الاحتلال الإسرائيلية غير العادية، يتقدمهم كبار الضباط، وهو يمر من باب "السلسلة"، ميقنًا بوجود شيء أعد في الخفاء لكن لم يدرك حقيقته، سوى أنه رفع يديه نحو السماء داعيًا بأن "يحبط الله مكرهم".

كغيره من المصلين افترش أبو دياب الأرض في ركن بالمسجد الأقصى، وفرض الصمت نفسه في باحاته، إلا من صوت الأذان الذي صدحت به مآذن المسجد، وارتوى الصائمون وابتلت عروقهم وبدؤوا يتناولون طعام الإفطار، عشرات الآلاف كانوا يوجدون، شباب، عائلات بينهم نساء وأطفال وكبار سن، كلهم موزعون في مختلف ساحات المسجد في أجواء إيمانية تسودها الألفة الاجتماعية، قبل أن تفسد أصوات قنابل الغاز التي انطلقت بغزارة من جهة باب السلسلة والمغارب تلك الأجواء كسحابة تمطر رصاصًا، تبعها أصوات رصاص معدني مغلف بالمطاط.

الهجوم المباغت

نظر أبو دياب ليجد مئات الأفراد من شرطة الاحتلال يهجمون بكل أسلحتهم، ويباغتون الصائمين ويضربون كل ما هو أمامهم في تلك المنطقة، مشاهد يستحضر صورتها وهو يروي لصحيفة "فلسطين" ما جرى عبر الهاتف: "رأيت شرطة الاحتلال تقوم بسحل أطفال وشباب وكل ما هو أمامهم، وإطلاق قنابل الصوت والرصاص المطاطي، ثم بدأت الاشتباكات مع المصلين القريبين، ولأول مرة ألقوا مواد ذات رائحة كريهة داخل باحات الأقصى وكلها مواد سامة تصيب الشخص بالاختناق".

دخان متصاعد، أصوات الرصاص مستمر، مصابون ملقون على الأرض لا يستطيع أحد الوصول إليهم، أحداث دراماتيكية دارت في ساحات المسجد، "الاقتحام كان مدبرًا لتفريغ انتصار باب العمود وتهيئة الأجواء لاقتحام المستوطنين للأقصى"، أدرك أبو دياب هذه الحقيقة نتيجة قسوة الاعتداء.

اعتقد الاحتلال أن المصلين سيهربون نتيجة إفراغ كل قوته دفعة واحدة ولكي تصبح ساحة المسجد خالية، واستمرت الاشتباكات لنحو ساعتين لكن حدث ما لم يكن في حسبانه، فردة الفعل المدافعة كانت صلبة، يقول أبو دياب مفتخرًا بأبناء القدس: "لولا تحرك الهجمات المرتدة من قبل الشباب الموجودة التي دافعت عن المصلين الصائمين بكل شجاعة وبسالة ولم يخافوا من حجم القوة التي استخدمتها شرطة الاحتلال لحدث تدافع كبير أدى لسقوط ضحايا كثر، وبفضل هؤلاء الشباب وصمودهم أدى لتأخير دخول تلك القوات الكبيرة للمسجد".

"الناس فوجئت بالهجوم المباغت لأنها كانت تفطر، والأمر الآخر أن جميع الموجودين كانوا موزعين كل في جهة، وهذا ما جعل شرطة الاحتلال تستفرد بالمصلين من جهة باب المغاربة والسلسلة قبل أن يتماسك الناس ويتحدوا في جدار بشري" يقول.

يرجع بحديثه للحظة التي سبقت دخوله للمسجد، معلقًا: "حينما رأيت حجم القوات الكبيرة من جهة باب السلسلة وكانت بالمئات، يتقدمهم كبار الضباط الذين أشرفوا على الهجوم توقعت وجود شيء لكن لم أستطِع إدارك أنه اقتحام، وكان هذا تمرينًا ليوم الـ28 من رمضان (...) نحن يوميًّا نرى تعزيزات إسرائيلية لكن كانت التعزيزات يوم الجمعة غير عادية".

مشاهد من الاعتداءات

بينما كان أبو دياب يحاول الابتعاد عن أماكن سقوط قنابل الغاز وثقت عيناه جرائم شاهدها أمامه، يحرك تفاصيلها هنا: "رأيت خمسة جنود من جيش الاحتلال يضربون مقعدًا على كرسي متحرك، رأيتهم يضربون كبار السن بلا رحمة، لم يرحموا بكاء الأطفال".

هدأت المواجهات قليلًا مع رفع أذان العشاء، وفي الركعة الثانية من صلاة التراويح قطعت شرطة الاحتلال مكبرات الصوت داخل المسجد الأقصى، وحاولوا قطع الكهرباء كي تكتمل الجريمة والخطة المجهزة لكنها لم تنجح في ذلك لوجود مولدات كهربائية.

طال دخان قنابل الغاز كل ركن بالمسجد الأقصى، بدأت أنفاس أبو دياب اللاهثة بسبب الاختناق تتسارع محاولا البحث عن منطقة بها هواء نقي، ما زالت بقية التفاصيل عالقة في حديثه: "ألقوا علينا كثيرًا من المواد وقنابل الصوت والرصاص المطاطي، شعرت بضيق التنفس، حاصروا الناس بعد أن قسموا أعداد المصلين الكبيرة".

لكن ما لم يتوقعه أبو دياب أن تقدم شرطة الاحتلال على ضرب المصلين وهم في حالة سجود، مشهد قهر احتار في وصفه: "تخيل أن تقدم شرطة الاحتلال على الاعتداء على المصلين وظلت المواجهات والاعتداءات على المصلين حتى الساعة الواحدة فجرًا وهناك من المصلين من استمر في الصلاة في تحدٍّ وصمود كبير".

لمة عائلية تفرقت

الحاج أبو أحمد العمري كان هو وعائلة وأحفاده في مصلى باب الرحمة، ورغم أن هذه الساحة كانت بمنطقة بعيدة عن ساحة المواجهة داخل المسجد الأقصى في بداية الاقتحام، فإن أصوات قنابل الصوت أدت لتفريق أفراد العائلة كل في جهة.

"سمعنا أصواتًا أشبه بأصوات قصف، واجتياح، كان هجومًا كبيرًا جدًّا، شرطة الاحتلال استخدمت القوة بحق مصلين يؤدون شعائر الله ويرابطون في مسجدهم"، ما زالت حالة الغضب تسيطر على الحاج العمري.

يصاحب الغضب صوت الحاج العمري وهو يروي التفاصيل، كانت "فلسطين" تستمع عبر الهاتف لما يعتمل قلبه من قهر: "يبدو أن الهستيريا التي غزت عقولهم ونفوسهم وأرواحهم تحولت لوحوش مسعورة تحرق كل ما تجده".

مع انتهاء آخر رصاصة أطلقتها شرطة الاحتلال مع ساعات الفجر، بدأ الحاج العمري يتفقد أحفاده وأولاده ويحاول الاطمئنان عليهم، مضيفًا: "خرجنا كل واحد من منطقة مختلفة من بوابات المسجد الأقصى وفي الخارج حاولنا الالتقاء وبدأنا نهتف ونردد مع شباب القدس بأن يذهبوا ويظهروا قوتهم على غزة وجنوب لبنان إن كانوا يستطيعون".