تلقت (إسرائيل) وغزة تذكيرًا هذا الأسبوع بمدى سهولة الانزلاق إلى مواجهة أخرى، وهي تشكل فرصة لإحصاء عدد الجولات التي خاضها الجانبان في السنوات الماضية، وفي كل جولة كادتا تقتربان من حافة الهاوية، ما يؤكد مدى عمق الأزمة بينهما، وإمكانية الوصول لمواجهة أخرى غير مثمرة.
كلا الجانبين حماس و(إسرائيل) بدتا مذهولتين بالقدر نفسه من اندلاع هذه المواجهة، ولذلك ضغطتا على الفرامل، وسحبتا زمام الأمور المواجهة، ما يعني طي صفحة جولة أخرى من المواجهة، تمثلت في انطلاق 36 صاروخًا من غزة في ليلة واحدة.
وبينما طالب رئيس الأركان برد أكثر صرامة على حماس، فضل رئيس الوزراء ووزير حربه إعطاء حماس مزيدًا من الوقت لتهدأ، بعد أن مر مستوطنو الغلاف بليالٍ صعبة، وسارع الإعلام لتنمية روايتهم عن بؤس حياتهم، وكيف يمكن لجيش الاحتلال ألا يرد بقوة، لأن المعادلة القائمة أن الحلول للمشاكل الأساسية للقطاع لا تعتمد على أجنحة الطائرات المقاتلة.
ومع غياب أي إستراتيجية تجاه حماس، تصر (إسرائيل) على الاستمرار في إغلاق غزة جوًّا وبحرًا وبرًّا، وتحرص على إبقائها في حالة تعاسة دائمة، وإذا اعتقد أي إسرائيلي أن العيش بجوار غزة، العاطلة عن العمل، وليس لديها ماء أو كهرباء، هو وصفة لجيرة جيدة؛ فهو مطالب بإعادة النظر في هذه القناعة، ويقدر جيش الاحتلال أن أحداث رمضان لم تنتهِ بعد، ويحافظ على مستوى عالٍ من الاستعداد والجاهزية.
يقول المنطق إن حماس لن ترغب في المخاطرة بإحراق قطاع غزة، لكنها غير متيقنة أن لديها القدرة، ومن ناحية أخرى، من الواضح أن المنطق تخلى منذ مدة طويلة عن كل ما يحدث هنا، ومن المشكوك فيه أن يشهد قطاع غزة المزيد من الاستقرار في المرحلة القادمة.
لكن الواقع يقول إن (إسرائيل) تحني رأسها أمام صواريخ غزة، بعد أن استسلمت في قضية الحواجز في باب العمود، وأعطت حماس إنجازًا أخلاقيًّا آخر من شأنه أن يجلب عليها مزيدًا من المواجهات، لأن ما يمكن رؤيته من نتيجة نهائية في وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية والعالم العربي بأسره عنوانه "هُزمت إسرائيل".
وأضيف موضوع الحواجز عند باب العمود في القدس، إلى البوابات الالكترونية في الحرم القدسي، وصفقات تبادل الأسرى، والانتفاضتين الأولى والثانية من المعالم الكئيبة في أيام الاستسلام الإسرائيلي، وهي أحداث دفع الإسرائيليون أثمانها باهظة، رغم تسويق الكثير من المعلومات الخطأ عبر وسائلهم الإعلامية.
لعل ما لفت انتباه الإسرائيليين في احتفالات المقدسيين أمام باب العمود بعد إزالة الحواجز الإسرائيلية مباشرة هتافات مئات الفلسطينيين، وإشادتهم بمحمد الضيف وكتائب القسام، وهذا يعني أن الهزيمة والاستسلام الإسرائيليين أمام النصر الفلسطيني أعطيا الفلسطينيين إنجازًا أخلاقيًّا آخر، سيجلب الكثير من التوتر مستقبلًا.