منذ ميلاد كورونا الناس حيرانة وتعبانة، لأنها "لخطبت" الدنيا وأجبرت الكثير من النفوس على تغيير الكثير من الطقوس، فما كنا لا نقبله من طقوس صار في حكم الواجب، أُبيحت الرخص في واجباتٍ كثيرة، فالصلاة في المسجد كانت واجبة، لكن مع كورونا سمعنا: "صلوا في رحالكم"، حتى حينما عدنا للمساجد "تباعدنا" بعدما كان "تراصوا وسدوا الفُرج ولا تجعلوا للشيطان فرجة بينكم" أمرًا واجبًا.
وتزداد الحيرة حينما يكون لوقتٍ ما طقسٌ ما، وممارسة هذا الطقس في غير هذا الوقت تكون "بلا طعمة" على رأي إخواننا أهل سوريا، فلرمضان ما ليس لغيره من الشهور من بركة ونكهة خاصة للطقوس المجتمعية، حيث التزاور والتراحم والولائم والفسح خاصة بعد الإفطار، لكن كورونا التي ما زالت تفرد أجنحتها وتفرض نفسها بقوة على مناحي الحياة، وشعارها "باقية وتتمدد"، أفقدتنا جمال وسحر الأجواء العائلية في رمضان تحديدًا، على أساس أن فيه تجتمع العائلات في جوٍّ جميلٍ، ويسهرون ربما إلى الصباح، لكن كورونا قالت لنا: "معلش اللي اجتمع اجتمع، واللي سهر سهر"، لذا لم تعد فكرة التجمعات العائلية والسهرات آمنة ومريحة؛ فتقلصت خاصة في البيوت التي فيها كبار سن، لأنهم الفريسة الأسهل للعدو الخفي.
لم تكن التجمعات العائلية هي الممنوعة، بل طقوس معنوية بسيطة منعت بقرار من كورونا (لا تصافح، لا تعانق، لا تقترب من الآخرين، خاصة كبار السن)، وهذه الطقوس على بساطتها تعزز المحبة بين الناس.
والمعروف أن السوق والتسوق في رمضان يمتازان بطقوسٍ جميلة إذ تُعرض المأكولات مثل القطائف والمخللات والمشروبات مثل الخروب والمثلجات والمرطبات بشكل أنيق وجميل، التي ربما لا نأكلها كثيرًا في غير رمضان، أو أن مذاقها في رمضان أكثر جمالًا وتميزًا، لكن كورونا أدخلت القلق والخوف على المتسوقين؛ فكنا ندخل السوق كما ندخل ساحة الحرب ونشتري احتياجاتنا بسرعة و"مفيش داعي لكثرة السلامات".
حتى سهرات الأصدقاء في المخيمات لم تعد كما كانت، خاصة أن حالة الإغلاق تلزمنا بيوتنا مع بدء التاسعة مساءً، محاولة للحد من انتشار كورونا.
وقد أثرت كورونا في طريقة استقبال الأب حين يعود لبيته، فالأطفالُ ينتظرون والدهم ليحتضنوه ويحتضنهم حين عودته، لكن كورونا حرمت الطرفين متعة وسحر الدقيقة الأُولى، لأن الأب سيذهب إلى غسل يديه خوفًا عليهم ثم يحتضنهم.
صلاة التراويح التي من جمالها أن نقضي وقتًا كافيًا فيها نستمع للقرآن بأجمل الأصوات، وللدروس بين الركعات، لم تعد كذلك، فهي صارت سريعة مع تباعد بين المصلين.
أنترك كورونا تحرمنا الاستمتاع برمضان؟!
أُدرك حاجتنا للتجمعات العائلية، لكن رغبتنا يجب أن تغلف بغلاف المصلحة العامة، فالمجتمعون يختلفون في السن والنوع وطبيعة العمل والتحركات، فربما إنسان مُخالط أو مُصاب وهو لم يدرِ، وكان من المجتمعين وبينهم كبار في السن وأصحاب أمراض مزمنة، فالمؤكد أن كورونا ستقول: "وجدتها"، والباقي عندك.
لذا علينا ألا يزيد عدد المجتمعين على العدد الذي تسمح به طبيعة مكان الاجتماع العائلي، بحيث يتيح وجود فاصل مكاني بين كل شخص وآخر، وترك كبار السن في مكان منفصل نوعًا ما عن الآخرين، مع ضرورة غسل اليدين وتعقيمهما قبل دخول مكان التجمع العائلي، وعدم الإطالة في المكان.
وأذكر ما قاله أحدهم: "يا جائحة، يا عديمة اللون والرائحة، ويَا آلامنا المُبرِحة، بإذن المولى هترحلي وتعود أيامنا المُفرِحة".