فلسطين أون لاين

كلنا في الهمّ فلسطينُ

لا شك أن من يراقب الوضع العربي منذ عام النكسة 1967 إلى زمن العار 2019 -2020، يرى بعض العرب الذين ناصروا القضية الفلسطينية قد باعوها ونقلوا السلاح من كتف إلى كتف.

إن مأساة ثلاثة وسبعين عاماً لم تقف عند حدود المسألة الفلسطينية، بل تطورت لتصبح هذه القضية قضية معممة وشاملة تنطبق على أمتنا العربية من لبنان إلى سوريا إلى اليمن إلى السودان والمغرب بخلافاتنا الذاتية التي تعتريها الصراعات الذاتية التي خلقها الاستعمار، وكرسها بزرع بذور العنف والتغريب ونزاعات الانفصالية من جهة، والعمل على إفشال أي مشروع وطني ثوري حقيقي يلائم واقعنا المتأصل من جهة أخرى.

من هنا إن هذه المقالة تطرح واقع الصراع كيف ينبغي التفكير فيه من أجل الحد من هذا النزيف والجرح الذي لم يندمل على الرغم من قرن من الصراع.

ففي الوقت الذي احتلت فيه الادعاءات الدينية مركز المشروع الصهيوني، وبخاصة مسألة ملكية أرض الميعاد، فإن الدين والادعاءات الدينية لم تحتل في الوطنية الفلسطينية والعربية تلك المركزية نفسها في إثبات ملكية الأرض والعرض والدين، وعليه صرنا أمة ممزقة وسهلة الانفجار والاحتراب، تتآكل فيها الصراعات الدينية الخالية من مضمون الدين وحقيقته وأهدافه السامية، واقتصرت على توظيفه في الحشد والتعبئة وغسل الأدمغة بالعبثية المفرطة.

إن الإفراط والتفريط أسهما في إنجاح المشروع الصهيوني الاستباقي عبر تحقيق هدف هزم الشعوب العربية وإفقارها ومحاصرتها بصراعات دموية سياسية واقتصادية وثقافية وأصوليات معادية تكرس الهيمنة والاستعباد عاجزة وغير قادرة على تقديم مشروع وطني جامع يوحّد الصف الفلسطيني من جهة أو العربي أو الإسلامي.

إن هذا التبعثر مطلوب منه تقديم رؤية شاملة للصراع، فلا يمكن اجتزاء النزاع والوقائع، كما لا بد من تحديد حقيقة الصراع، والاعتراف أن خلافاتنا ليست هي وحدها المشكلة، بل سببها الاستعمار الذي تحقق بفعل اتفاقيات الغدر والنفاق منذ سايكس-بيكو ووعد بلفور ومراسلات مكماهون، وصولاً إلى بدعة صفعة العار التي يتحاجج بها بعضهم بحجة الصراع الإيراني- العربي، ما يدفعنا إلى طرح تساؤلات عميقة لا بد من استئنافها وهي: هل السلام مع (إسرائيل) لو أصبح واقعيا على امتداد العالم العربي-الإسلامي سيحقق الكرامة والتقدم والأمان لشعبنا أو يكون على غرار تجربة كامب ديفيد؟ كما أنه أيضا لا بد من إثارة قضية جيل الحداثة الذي لم يختبر الاستعمار ولا الحروب، بل عانى فقط نتائج الحرب من الإكراهات والتحريض والإفقار بأي لغة نخاطبها اليوم في القرن الواحد والعشرين؟ الجواب هو في تأكيد مشروع المواطنة التي تحمي الهويات من التناحر والخلافات الضيقة نحو مشروع متكافئ وشامل يكرس التضامن والأخوة والتلاقي على أهداف سامية ووطنية دون عملية الاستغلال في الفنادق الفاخرة وصالونات السياحة والاستجمام، يحملون فيها خيبة رجولتهم للأمة العربية والإسلامية عبر تعزيز انكشاف القضية المركزية وتعويمها بالحسابات الخارجية، كما حال ليبيا ولبنان وغيرهما، وما أكثر المنتفعين بالقضية الذين صاروا أثرياء في نهب المال والاسترزاق بالشرعية المسمومة.

لا أحد يستطيع تحرير فلسطين سوى الفلسطينيين أنفسهم، أما التباكي في المؤتمرات والمهرجانات وفي بلاطوهات التلفزيونات، فهو خذي وعار شاهد على قرن الذلّ والتذلل والاستذلال.