فلسطين أون لاين

كوفيد-19 والصيام.. أحكامٌ شرعيّة

...
غزة-ريما عبد القادر:

بعضٌ من مرضى "كوفيد-19" لا يأخذ بـ"رخصة الإفطار" ويستكمل صيامه ويعرض نفسه للخطر خشية أن يلحق به الإثم؛ لعظمة شهر رمضان المبارك، الأمر الذي يترتب عليه الضرر، وبعضٌ يمتنع عن الحصول على التطعيم خوفًا أن يكون سببًا في إفساد صومه.

فما رؤية الشريعة الإسلامية في الحالات التي يجوز فيها لمرضى كوفيد-19 الأخذ بـ"رخصة الإفطار"، وهل التطعيم يفسد صومه، وإلى من يرجع الفقهاء بالحكم في هذه المسألة؟

الشرع والطب

وعمن يحدد طبيعة مرض كورونا، الذي من طريقه يبنى الحكم الشرعي يقول الأستاذ المساعد في الفقه المقارن بقسم الشريعة الإسلامية في الجامعة الإسلامية د. صادق عطية قنديل: "لقد أجمع الفقهاء جميعًا على أن الذي يقرر في تحديد نوع المرض وطبيعته ودرجة خطورة الصيام معه هم الأطباء الثقات، ليقرر الفقهاء فيما بعد الحكم الشرعي المناسب لحالة المريض".

ويبين في حديثه إلى صحيفة "فلسطين" أن مرض كورونا من الأمراض التي ما زالت قيد الدراسة والبحث، لمعرفة أسبابه ومحاولة الاجتهاد في إيجاد الدواء الناجع له، ما يؤكد ضرورة المتابعة من أهل الفتوى لكل ما يصدر عن الجهات العلمية الموثوقة.

ويرجع ذلك إلى العمل على بناء الحكم الشرعي على موقف علمي صحيح، ومعتمد، للحيلولة دون وقوع تناقض واضطراب بين الموقف الشرعي والموقف العلمي، وهذا ينسحب على كل ما له صلة بالمتغيرات العلمية والحياتية.

رخصة الإفطار

وعن الحالة التي يجوز فيه لمريض كورونا الأخذ بـ"رخصة الإفطار"؟ يجيب: "كورونا تختلف درجة تأثيراته من شخص إلى آخر؛ كما أن بداياته في التأثير ليست كنهاياته، والخلاصة عند الفقهاء إن كان الصوم يلحق الضرر بالمريض المصاب بكورونا فالصوم حرام شرعًا".

ويوضح سبب ذلك بالقول: "لأنه مأمور بدفع الضرر والأذى عن نفسه، فبصومه سيمتنع عن أخذ الدواء والمقويات والمنشطات لجهاز المناعة، ما يعرض نفسه للخطر والضرر، وجلب الضرر والأذى للنفس محرم شرعًا ما لم يرخص له".

ويضيف: "والذي أمر بالصيام هو الله تعالى، والذي رخص للمريض بالإفطار هو الله تعالى، وفي الأمرين يجب أن نُطيعهُ ويجب ألا نعصيه".

ويسترشد بقوله تعالى: "فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ..." (البقرة:184).

ويؤكد أن الذي يتحمل مسؤولية تحديد نوع المرض وطبيعته ودرجة تأثيره هم أهل الطب الثقات، فكورونا اتفق الجميع على أنه من الأمراض الخطرة، وإن كانت تأثيراته تختلف بحسب طبيعة الشخص وبنيته ومناعته، وفي كل الأحوال إن لحقت المشقة بمريض كورونا فهو كغيره من المرضى يرخص له الإفطار.

الضرر والمشقة

في حال شعر مريض كورونا بمشقة في الصيام نظرًا لحاجته لتناول العلاج لتقوية مناعته هل في هذه الحالة لا بد أن يرجع للطبيب من أجل تأكيد أن حالته تستوجب "رخصة الإفطار" أم يجوز له الإفطار دون الرجوع للطبيب؟ عن هذه المسألة يقول قنديل: "نعم، يمكن للشخص المريض نفسه إن كان عالمًا بطبيعة مرضه أو من يرعى المريض أن يحدد أنه من الأمراض التي يرخص فيها بالإفطار أم لا ... هذا عمومًا، والأمر متعلق بالمشقة والضرر".

ويتابع: "في حال شعر مريض كورونا أنه يشق عليه الصوم، وقد يلحق به الضرر، كأن يتأخر الشفاء بتوقفه عن أخذ العلاجات التي تزيد من مناعة الجسم للتغلب على المرض؛ فله أن يأخذ برخصة الإفطار دون الرجوع للأطباء".

إسعاف المرضى

وفيما يتعلق بأصحاب المهن الطبية مثل الطبيب والمسعف والممرض ... فهل لهم الأخذ برخصة الإفطار؟ يجيب: "نص الفقهاء على أن من يشق عليه الصوم لقيامه بإسعاف المرضى أو إنقاذ الغرقى أو إطفاء الحرائق، ولحقت به المشقة الشديدة وصيامه سيضعفه عن القيام بمهمته، ما يؤثر تأثيرًا كبيرًا في إنقاذ حياة المضرورين وقت الأزمات والكوارث؛ لهم الأخذ برخصة الإفطار في أيام وأوقات عملهم، وعليهم القضاء بعد رمضان".

تطعيم كورونا

بعضٌ يمتنع عن أخذ جرعة تطعيم كورونا خوفًا من إفساد صومه كما يظن، فهل هذا التطعيم يفسد الصوم في حال أخذه في نهار رمضان؟ يؤكد قنديل أن "أخذ لقاح كورونا (التطعيم) لا يفطر لأنه للعلاج لا التغذية، ثم لا يعطى من الفم ولا من المنافذ الموصلة للمعدة"، لافتًا إلى أن هذا ما استقر عليه فقهاء الشريعة من المعاصرين.