فلسطين أون لاين

يعالجون مصابين بكورونا.. أطباء وممرضون يحنِّون للإفطار مع أسرهم

...
د. منتصر الفرا
غزة/ مريم الشوبكي:

وقف الطبيب منتصر الفرا على باب شقة والدته بعد يوم عمل شاق وطويل، ملوحًا لها بيده من بعيد وهو يرتدي كمامته: "كل عام وإنت بخير يما"، كان وقت إفطار أول يوم رمضاني قد انقضى، أحس بغصة لأنه معتاد أن يقبل يدها ويشاركها في وجبة الإفطار، ولكنه آثر الابتعاد لحمايتها من أي عدوى يمكن أن ينقلها إليها دون أن يدري.

لا لذة لأجواء رمضان ولا لمة عائلة، يقضي الطبيب أيام الشهر الفضيل منهكًا في متابعة موظفين ومرضى في مستشفى غزة الأوروبي الذي بات يحمل اسم "الوبائيات"، ويحمل هموم العمل إلى بيته فهاتفه لا يتوقف عن الرنين واستقبال الرسائل إذ يُستدعى في أي وقت للوقوف على أي أمر طارئ.

الطبيب منتصر يرأس قسم السلامة والصحة المهنية في "المستشفى الأوروبي"، ويعمل أيضًا في قسم السلامة ومكافحة العدوى.

منذ 18 عامًا يعمل الفرا في المستشفى، ولكن يصف العامين الماضيين مع تفشي جائحة كورونا بأصعب السنوات التي مرت عليه، من كثرة الحالات التي ترددت إلى المستشفى، وحاجتها إلى المتابعة الدقيقة لحظة بلحظة.

عمله الصباحي ينصب على متابعة المرضى أي إشكالات تخص مكافحة العدوى وأدوات الحماية الشخصية وأي نواقص فيها، وكذلك متابعة سلامة الموظفين وإجراء المسحات لهم، ويومًا في الأسبوع يتركز عمله في التواصل مع مرافقي المرضى لتحديد الخريطة الوبائية.

اللمة على الإفطار والسحور لا تحلو الأيام الرمضانية دونها، يقول الفرا لصحيفة "فلسطين": "الكوادر الطبية في زمن كورونا محرومون التشارك في الوجبات معًا، ومشاركة عوائلهم في الإفطار والسحور إما لسبب مبيتهم في العمل، أو ووصولهم في وقت متأخر".

يضيف: "حياتنا الاجتماعية معدومة إذ نحرص ألا نختلط بأحد حتى أقرب الناس لنا خوفًا من نقل العدوى إليهم، فضلًا أننا نعود إلى البيت بهموم المرضى والموظفين، نعم هناك زيادة في أعباء العمل تسبب إرهاقًا كبيرًا للجسم مع الصيام، ولكن الضغط النفسي يكون مضاعفًا، وهذا يستدعي إجراء جلسات تفريغ نفسي للطواقم الطبيبة باستمرار".

موظف جاء يشتكي إليه عدم قدرته على النوم بسبب المشاهد الصعبة لمرضى كورونا التي يقابلها طوال مدة عمله، أما هو فكلما رن هاتفه أو استقبل رسالة وضع يده على قلبه، خوفًا من تلقي صدمة موت أحد موظفيه المصابين بالمرض.

يتابع الفرا: "أحد الموظفين أصيب بكورونا ودخل غرفة العناية المركزة، لا تزال كلماته تتردد في أذني حينما كان يناديني بـ"إمام الموظفين"، وكان أكثرهم حرصًا على أداء الصلوات معي داخل المستشفى، لم أتمكن من رؤيته وهو يعاني تحت أجهزة التنفس الصناعي، أدعو الله دائمًا ألا يفجعني بفقدان عزيز علي".

"لا وقت للإفطار"

يقضي الحكيم نائل قشطة أيام الشهر الفضيل في عمله بين المناوبة الصباحية والمسائية التي تتطلب منه المبيت في المستشفى، لممارسة عمله المباشر مع مرضى كورونا.

يعمل قشطة حكيمًا منذ 10 أعوام في مستشفى غزة الأوروبي، وحاليًّا يعمل في أخطر الأقسام وأهمها، العناية المركزة، يقضي نحو 19 ساعة عمل متواصلة في اليوم مدة ثلاثة أيام أسبوعيًّا.

قشطة لديه ثلاثة أطفال تعودوا غيابه في عمله، ولكنهم يفتقدونه في مشاركتهم مع والدتهم فب وجبة الإفطار، أو مشاركتهم وجدانيًّا عبر مهاتفة فيديو عن بعد؛ فهو لا يستطيع القيام بذلك أيضًا في وقت راحة لديه البتة، لأن ضغط العمل أصبح مضاعفًا عليه بسبب تصاعد المنحنى الوبائي مع حلول شهر رمضان.

أكثر ما يتمناه في هذا الشهر أن يقتطع بعضًا من الوقت ليكسر صيامه بشربة ماء أو تمر، يقول لصحيفة "فلسطين": "حينما تكون هناك حالات خطرة في الغرفة، وعند وصول حالة طارئة أؤجل إفطاري إلى ما بعد الساعة العاشرة، فعملنا يبدأ منذ اللحظة الأولى لتسلمنا المناوبة حتى المغادرة".

وينبه قشطة إلى أن الحالات التي سجلت في موجة كورونا الثانية هي الأشد من ناحية الأعراض وزيادة كمية العلاجات التي تقدم للمريض، وإجراء تحاليل مستمرة لهم، خوفًا من تدهور حالتهم الصحية في العناية.

لا راحة

في قسم الأعصاب يتعامل الممرض أيمن العرقان مع حالات كورونا المتوسطة الخطورة، إضافة إلى مشاركة زملائه في إتمام مهاتهم اليومية في العمل.

جهد العمل لدى العرقان مضاعف في رمضان، إذ يبدأ دوامه يوميًّا الساعة التاسعة صباحًا، ويتقاسم مع زملائه مهمات العمل، يلبي طلبات القسم وشئونه الإدارية، ويعاونهم في كتابة الملاحظات التمريضية، وأخذ العلامات الحيوية للمرضى.

ويبين لصحيفة "فلسطين" أنه بسبب زيادة أعداد الحالات المصابة بكورونا يوميًّا لا يمكن أن ينجز موظف واحد عمله، لذا يتعاون كل الموظفين على إنجاز مهمة واحدة، فيقضي ساعات عمله كلها واقفًا على قدميه، لا وقت لديه ليريح جسده الذي يشتد عليه الإرهاق والتعب مع الصيام.

ويختم العرقان: "التزم بإجراءات الوقاية، لا سيما ارتداء الكمامة، ولا تستبدل بسريرك في البيت سرير المستشفى، لا تعتمد على قوتك الجسدية ومناعتك، لقد فقدنا شبابًا لا يعانون مرضًا مزمنًا ولا مشاكل صحية سابقة".