هل توقّع الفلسطيني في يوم من الأيام، أن يفعّل الاحتلال عنصريته إلى هذه الدرجة؟ وصلت إلى حاجز قلنديا فوجدت أفواجا من المسنين الذين تتجاوز أعمارهم الستين عاما تعود قافلةً دون أن تحظى بصلاتها في المسجد الأقصى، التي تنتظرها ليوم الجمعة في رمضان طيلة العام. القهر والغضب يرسم نفسه على هذه الوجوه بصورة قاسية، الألسنة تسبّ وتلعن.. ماذا دهى هذا الكيان أن يمارس عربدته ويصبّ كل عنجهيته على الفلسطيني المسنّ في يومه الأجمل الذي ينتظره طيلة العام؟
طلبت سلطات الاحتلال سابقا من الفلسطيني أن يبلغ الأربعين ثم تطورت للخمسين ثم للستين، كلّ رمضان تبدع عبقريتهم بما هو جديد، طلبوا سابقا أن يمغنط الفلسطيني حتى يكون بوسعه تجاوز الحاجز العسكري، ثم التصريح زيادة على بلوغ سنّ الرشد لإقامة الصلاة وهي عندهم اليوم ستين عاما، ثم اليوم النسخة الجديدة للتعليمات المقدّسة الجمعة الأولى من رمضان 2021، المطلوب تصريح خاص للصلاة وهو يختلف عن تصريح العمل.
نسخة رمضان 2021 لم تشفع الرؤوس التي تشتعل شيبًا لأصحابها بالولوج من فرازات الحواجز ولا من (معّاطات) الدجاج ولا من هندسات استقبال الجماهير عالية الجودة التي نصبت الحاجز تلو الآخر وطلبت من الفلسطيني أن يمحّص نفسه ويعرضها بكلّ أدب واحترام وأن يسير على عجينهم دون أن يمسّه سوء. هندسة القهر هذه طالت النساء قبل الرجال والشيبة قبل الشباب، هذه المرّة أحكموا إغلاق الباب وصوّبوا كل قدراتهم العبقريّة للإحاطة بالفلسطيني من كلّ جانب وذوده وسوقه كما يفعل مع قطيع الخراف إلى حيث يريدون بطريقة مذلّة مهينة، والفلسطيني يتحمّل كلّ هذا لما يجول في قلبه من عشق واشتياق لهذه الصلاة التي طال انتظارها طويلا.
هل يوجد في العالم من يستصدر تصريحًا من أجل صلاته؟ هل يُطلب من قطعان مستوطنيهم الذين يقتحمون المسجد الأقصى شيء من هذا القبيل أم أنهم يقدمون لهم كلَّ التسهيلات؟ إذن هي العنصرية بأبشع صورها.
وإنّ هذا التفريغ للمسجد الأقصى من أهله وفي أوقات الذروة هذه يجري بسياسة ممنهجة واضحة المعالم ومعروفة النتائج، نفس السيناريو الذي مرّ به المسجد الإبراهيمي في الخليل يريدونه للأقصى، لذلك وجبت الوقفة المطلوبة التي تفضح هذه السياسة وتعلن الغضب المشتعل، الوقفة التي تعيد المسألة إلى مربعها الأوّل، يجب رفض كلّ هذه الإجراءات التي تمغنط الفلسطيني وتسحقه وتدجّنه، وحتى إنهم لو تمكّنوا من إعادة هندسته الوراثية من جديد ليسير على إجراءاتهم العقيمة راضيا مرضيّا لما وفّروا ذلك.
لقد بات المطلوب هو الرفض التام وعدم التعاطي البتّة مع كلّ هذه الإجراءات، لأن الصلاة أصلا هي لتحقيق العبادة لله، ومن ثم رفض كلّ أشكال العبودية لغير الله، وما يجري على أرض الواقع هو تركيع الفلسطيني وضربه في أقدس مقدّساته وحرمانه صلاته، ومن الوضوح بمكان أن الإسرائيلي قد انتهك ولامس جرحا حسّاسا بعمق وغطرسة وطريقة وحشية مقيتة.