ماهر أبو طيرليس غريبًا أن تعتدي (إسرائيل) على المسجد الأقصى، في أول أيام رمضان، فتقطع أسلاك الكهرباء عن مكبرات الصوت، عند أذان العشاء، والتراويح، وتخرِّب أقفال باب السلسلة والباب المؤدي إلى سطح المتحف الإسلامي، فهذا سلوك معتاد من جانب (إسرائيل).
الأردن بدوره وعبر السفير الأردني في (إسرائيل) قدَّم رسالة احتجاج، والحكومة في عمان أدانت الاعتداء الإسرائيلي، ولجنة فلسطين النيابية نددت بالتصرف الإسرائيلي، وكل مرة يبلور الأردن ردود فعل مختلفة محلية ودولية، إزاء المسجد الأقصى، ووصايته عليه.
من المؤكد هنا أن العلاقة الأردنية الإسرائيلية تمر بفترة سيئة، إذ على الرغم من وجود مؤشرات تدل على العكس، مثل التطبيع الاقتصادي، وطلب المياه من (إسرائيل)، واستيراد الغاز لتوليد الكهرباء، وتواصل التصدير والاستيراد، إلا أن (إسرائيل) في ملف الأقصى، تتجه تدريجيًّا نحو نقطة محددة، أي تكريس سيطرتها على الحرم القدسي، والمسجد الأقصى، في محاولة للتأثير على الوصاية الأردنية، وفرض سيادة الاحتلال على الحرم القدسي الشريف.
برغم كل بيانات التنديد الأردنية، في مراحل مختلفة، بسبب التصرفات الإسرائيلية، من اقتحامات المسجد، إلى منع أعمال الترميم، واعتقال الحراس، وضرب المصلين، وإغلاق المصليات، فإن (إسرائيل) لا تأبه كثيرًا بكل ردود الفعل، ليس استصغارًا للأردن، بل لكونه وحيدًا في هذا الملف، إضافة إلى أن الموقف العربي والإسلامي غائب تمامًا، والقضية موكول بها الأردن فقط، ولا اعتراض دوليًّا على كل الممارسات الإسرائيلية.
لقد غابت قضية الأقصى عن الوعي العربي والإسلامي، ولو حللنا مواقف بقية الدول، واهتمامات الحكومات والأحزاب والحركات السياسية، والمجالس النيابية في العالمين العربي والإسلامي، ووسائل الإعلام العربية والإسلامية، والمؤسسات الدولية، لوجدنا غيابًا كبيرًا لقضية المسجد الأقصى، برغم حساسيتها، وأثرها الكبير على هوية القدس الدينية والسياسية والاجتماعية، وهذا التغييب له أسباب كثيرة، لكنه في المحصلة، يحوِّل ملف المسجد الأقصى إلى ملف ثنائي مشترك بين طرفين فقط، هما الأردن، والشعب الفلسطيني الذي يعيش في القدس، ليواجها معًا، الممارسات الإسرائيلية، ضمن ظروف صعبة ومعقدة، يعرفها الكل.
لكن علينا أن نتحدث هنا بصراحة، لفتح الباب لإعادة مراجعة العلاقة الأردنية الإسرائيلية، وهذا الرأي ترفضه جهات عدة، تحت ذرائع مختلفة، منها استحالة إلغاء اتفاقية وادي عربة، مثلًا، أو عبر الإشارة إلى أن أي إجراءات تصعيدية من الأردن ضد (إسرائيل)، سوف تستعملها (إسرائيل) من أجل الاستفراد تمامًا بالمسجد الأقصى، إضافة إلى تحكم (إسرائيل) بملفات معينة، منها ملف الطاقة المصدرة إلى الأردن، وهؤلاء يعتقدون أن معالجة التصرفات الإسرائيلية يجب أن تخضع لطريقة، أو مقاربة مختلفة، في ظل تحولات إقليمية ودولية.
في النتيجة لا يمكن أن يستمر السكوت على التصرفات الإسرائيلية، فالأزمة هنا، سياسية، من جهة، لكونها تتعلق بمن يمتلك السيادة الأمنية على المسجد الأقصى، ومن لديه القدرة على فرض شروطه، في الجانب الديني المتعلق بالمسجد، وليس أدل على ذلك من جرأة الاحتلال، بقطع صوت مآذن المسجد، في توقيت أكثر حساسية للمسلمين، أي شهر رمضان.
من سبعين سنة والعرب والمسلمون يصيحون ويقولون للمسجد الأقصى، نحن قادمون، لكنهم لم يأتوا حتى الآن، ولو كانوا يمشون مشيًا على الأقدام لوصلوا إليه من أواخر الدنيا إلى القدس، لكن التعبيرات المجازية والكلامية هنا، لا تغير من الواقع شيئًا.
لا يمكن لـ(إسرائيل) في مرحلة ما، إلا أن تتخذ إجراءات خطِرة ضد المسجد، من أجل شطب الدلالة الدينية المرتبطة بهوية المدينة، ودائمًا تختبر (إسرائيل) ردود الفعل في المنطقة، فتجدها ضعيفة واهنة، ولا تسمع إلا موقف الأردن، وأهل القدس، وبقية الفلسطينيين، لكنها لا تدرك أمام هذا الوهن في المنطقة، أن المس بالمسجد الأقصى، سيؤدي إلى نتائج ليست سهلة، والكل يتذكر وقفة أهل القدس، في حادثة بوابات التفتيش الإلكترونية، حين توحَّد المقدسيون، وأُجبروا (إسرائيل) على التراجع، وهو ذات المشهد الذي عشناه في ملف مصلى الرحمة، وقضايا ثانية.
(إسرائيل) تواصل العبث مع الأردن في ملف المسجد الأقصى، وفي الوقت نفسه تلوح ببقية الأوراق التي تتحكم بها، من المياه إلى الغاز، وهذا يؤشر على خطر غير مسبوق، تؤكد أن إضعاف الأردن بوسائل مختلفة مخطط إسرائيلي لغايات مختلفة منها ملف الأقصى.