لا انتخابات دون القدس، هدف لا يختلف عليه أحد، ولكن الاختلاف في الساحة الفلسطينية على آليات تحقيق هذا الهدف، وحتى نقف على ملف الانتخابات بعمق لا بد من الإجابة عن الأسئلة التالية: ما واقع القدس وتقسيماتها؟ كيف جرت انتخابات عام 1996 – 2005 -2006 في القدس؟ وما السيناريوهات المحتملة للتعاطي مع ملف الانتخابات بالقدس؟
أولًا: الانتخابات وبيئة القدس.
واقع القدس المحتلة جغرافيًّا وديموغرافيًّا يحتم على لجنة الانتخابات السير على حقل من الألغام، حقل رسخه واقع الاحتلال، ونصوص الاتفاقيات السياسية التي وقعتها منظمة التحرير مع دولة الاحتلال، وهنا أشير إلى دراسة أعدها المركز الدولي للدراسات القانونية بشأن تقسيم لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية للقدس، التي تقسمها لمنطقتين:
1. شرقي القدس: تخضع هذه المنطقة لإدارة بلدية القدس، وتبسط (إسرائيل) سيادتها عليها، وتضم التجمعات السكانية والمناطق التالية: (العيسوية – السواحرة الغربية – باب الساهرة – جبل الزيتون – بيت المقدس – صور باهر- بيت جنينا – بيت صفافا – جبل المكبر – راس العامود – شيخ جراح – سلوان – وادي الجوز – شرفات – أم طوبا – مخيم شعفاط – الصوانة ). يقطن في هذه التجمعات السكانية، حسب تقديرات فلسطينية رسمية 298 ألف مواطن فلسطيني يحملون هوية زرقاء، 175 ألفًا منهم يحق لهم الاقتراع في الانتخابات العامة الفلسطينية.
2. ضواحي القدس: 30 تجمعا سكانيا يعيش فيها 164 ألف نسمة يحملون الهوية الفلسطينية، 94 ألفًا منهم يحق لهم الاقتراع في الانتخابات الفلسطينية العامة، وهذه التجمعات السكانية تقع خارج حدود القدس وتخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية وتصنف ضمن المناطق (ج) وينطبق عليها في الانتخابات ما ينطبق على سكان الضفة الغربية وقطاع غزة، ومن هذه المناطق: ( أبو ديس – الخان الأحمر – الجديرة – الجيب – الرام وضاحية البريد – السواحرة الشرقية – الزعيم – الشيخ سعد – العيزرية- النبي صموئيل – بيت إكسا – بيت سوريك – بيت عنان – بير نبالا – بيت إجزا – بيت حنينا البلد – مخيم قلنديا... إلخ).
نظمت اتفاقية أوسلو 1993 ولا سيما (المادة 3) منها عملية الانتخابات، واستكملت اتفاقية طابا وضع ملحق خاص لتنظيم العملية الانتخابية عام 1995م، وبموجبه أُجريت أول عملية انتخابية عام 1996م وأجريت الانتخابات الرئاسية عام 2005م، والانتخابات التشريعية عام 2006م، إلا أن الانتخابات التشريعية عام 2006م تختلف عن سابقاتها بأن قانون الانتخابات رقم 9 لعام 2005م لم يشر إلى الاتفاقية المرحلية التي جرت عليها الانتخابات السابقة.
ثانيًا: السياق التاريخي للانتخابات العامة في القدس.
جرت في القدس ثلاث انتخابات في الأعوام: : (1996 – 2005 – 2006)
انتخابات عام 1996:
أُجريت الانتخابات العامة الفلسطينية (الرئاسية والتشريعية) عام 1996م وفقًا لما جاء في الملحق الثاني من اتفاقية المرحلة الانتقالية، التي خصصت (المادة 6) ترتيبات إجراء الانتخابات في القدس، والتي حددت أماكن الاقتراع في شرقي القدس في مكاتب البريد الإسرائيلية وعددها خمسة مكاتب تضم 11 محطة اقتراع، قدرتها الاستيعابية 5367 ناخبًا باليوم الواحد، ورغم البيئة السياسية التي كانت سائدة عام 1996م فإن (إسرائيل) أطلقت سلسلة من الشائعات التي ساهمت في الحد من نسبة المشاركة السياسية في الانتخابات، حيث بلغ عدد من اقترعوا في شرقي القدس وضواحيها 34 ألف ناخب من أصل 80 ألف بنسبة مشاركة وصلت إلى 42 %..
الانتخابات الرئاسية الثانية عام 2005:
صدر مرسوم الانتخابات الرئاسية عام 2004م، وبدأت لجنة الانتخابات عملية تسجيل الناخبين في القدس، وافتتحت ستة مراكز تسجيل، فدهمت قوات الاحتلال هذه المقرات واعتقلت موظفي اللجنة، وأوقفت عملية التسجيل وأغلقت المقار بأوامر عسكرية، هذه الإجراءات استفزت المجتمع الدولي الذي بدأ في التحرك والضغط على دولة الاحتلال، حتى رضخت لتلك الضغوط وبدأت إجراءات العملية الانتخابية وفقًا للمادة (رقم 6) مع إضافة مكتب بريد صور باهر، لترتفع القدرة الاستيعابية من (5367-6000) ناخب.
اللافت للنظر أن لجنة الانتخابات أبدعت في انتخابات الرئاسة لمواجهة التغول الإسرائيلي، فأطلقت حملة لتسجيل الناخبين في منازلهم، ومددت عملية التسجيل حتى يوم الاقتراع، فأفسدت على الاحتلال مخططاته بإفشال العملية الانتخابية بالقدس.
الانتخابات التشريعية عام 2006:
رغم أن قانون الانتخابات رقم 9 لعام 2005 لم تشر أي من بنوده إلى مرجعية الاتفاقية المرحلية في إجراء الانتخابات بالقدس الشرقية، وهو ما استفز (إسرائيل)، التي رفضت في بادئ الأمر إجراء الانتخابات في شرقي القدس إلا عبر الاحتكام لنصوص الاتفاقية، فإن إصدار المرسوم الرئاسي ساهم في تجنيد المجتمع الدولي للضغط عليها لإجراء الانتخابات في القدس، وفعلًا أُجريت الانتخابات التشريعية في شرقي القدس وفق ترتيبات انتخابات 2005م بـ 6 مكاتب بريد بواقع 12 محطة انتخابية قادرة على استيعاب أقل من 5% من احتياج المقدسيين، إلا أن لجنة الانتخابات المركزية افتتحت 14 مركزًا انتخابيًّا في ضواحي القدس يضم 54 محطة لتجاوز التحدي الذي وضعه الاحتلال لإفشال التجربة الديمقراطية.
وحسب إحصاءات لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية بلغ عدد من يحق لهم الاقتراع في الانتخابات التشريعية لعام 2006م ما يقارب 120 ألف ناخب، ونتيجة إجراءات الاحتلال شارك في الانتخابات التشريعية 2006 فقط 3006 ناخبين، أي ما نسبته 3.6%.
ثالثًا: سيناريوهات الانتخابات التشريعية في مايو/2021م.
لا انتخابات دون القدس، ثابت وطني لا يمكن تجاوزه، وعليه فإن السيناريو الأكثر ترجيحًا لملف القدس بالنسبة إلى السلطة الفلسطينية هو العمل وفقًا للاتفاقيات السياسية الموقعة، وسيكون خيار الضغط الدبلوماسي على الاحتلال هو الأكثر ترجيحًا، وهو ما يفسر لجوء رياض المالكي، وزير الخارجية الفلسطيني، إلى مجلس الأمن، وحركة الاتصالات الدولية التي تقودها القيادة السياسية لتحقيق هذا الهدف، ولكن في ظل أزمة الثقة فإن هناك من يرى أن القيادة الفلسطينية تستخدم ورقة القدس للهرب من الاستحقاق الانتخابي بعد حالة التشرذم التي تشهدها حركة فتح وطريقة بناء القائمة وخروج قوائم أخرى من رحم فتح، وهو ما يقلل حظوظها بأن تكون الكتلة الأكبر.
الإشكالية في المشهد الانتخابي بالقدس هو وجود خيار واحد ووحيد للسلطة، وهو إما إجراء الانتخابات بالقدس حسب نص المادة 3 وملحق اتفاق طابا، وإما تأجيل الانتخابات مسألة عدمية، وبما أن (إسرائيل) انقلبت على الاتفاقيات فينبغي لنا نحن الفلسطينيين أن نُحمِّل العالم مسؤولية هذا الانقلاب وننطلق نحو خيارات متعددة لعل منها فكرة التعاطي مع الانتخابات بالقدس ضمن حالة خاصة والانطلاق بها حسب:
1. المقدسيين داخل الجدار، وهي مناطق تخضع بالكامل للسيطرة الأمنية والمدنية للاحتلال، وأفضل خيار للتعاطي مع هذا التحدي هو إجراء الانتخابات في وسط الأحياء المقدسية وتحت عدسات الكاميرات لفضح زيف الديمقراطية الإسرائيلية أمام العالم، وممكن أن يُصوَّت خارج الجدار، أي الأحياء التي تتبع محافظة القدس، ولكن السيطرة الأمنية محدودة.
2. المقدسيين خارج الجدار، عددهم ما يقارب 150000 نسمة، والوجود الأمني الصهيوني يكاد يكون موجودًا، وهو ما يسمح لإجراء الانتخابات في هذه المناطق مثل كفر عقب، إضافة إلى العديد من التجمعات السكانية التي تتبع محافظة القدس فلسطينيًّا، ولكنها من وجهة النظر الصهيونية هي خاضعة للسلطة الفلسطينية ويبلغ تعدادها ما يقارب 28 تجمعًا سكانيًا مثل أبو ديس والعيزرية وبير نبالا إلخ.