فلسطين أون لاين

معركة الاعتراضات والطعون

أجاز القرار بقانون رقم 1 لسنة 2007م بشأن الانتخابات العامة لكل شخص خلال ثلاثة أيام من تاريخ نشر أسماء القوائم ومرشحيها أن يتقدم باعتراض كتابي على أي قائمة أو مرشح في القائمة مبينا أسباب اعتراضه ومرفقا البيانات المؤيدة لاعتراضه، وعلى لجنة الانتخابات أن تبت في الاعتراض خلال ثلاثة أيام من تاريخ تقديم الاعتراض لها، وذلك وفقا للمادة 55 من القرار بقانون الذي سبقت الإشارة إليه، كما أجاز القانون ذاته في المادة 57 منه، لكل شخص رفضت اللجنة الاعتراض الذي قدمه أن يطعن في قرارها أمام محكمة الانتخابات خلال ثلاثة أيام من تاريخ تبليغه قرار اللجنة برفض اعتراضه، وعلى المحكمة أن تفصل في الطلب خلال خمسة أيام من تاريخ تقديمه.

استنادا لهذين النصين تلقت لجنة الانتخابات حسب ما صدر عنها 250 طعنا بشأن القوائم الست والثلاثين التي اعتمدتها لجنة الانتخابات، كان حظ قائمة القدس موعدنا التابعة لحركة حماس أحد عشر طعنا، إلا أن جميع الطعون تلك لم تكن ذات قيمة تذكر من الناحية القانونية، إذ استندت في معظمها على ادعاء أن عددا من مرشحي القائمة لم يقدموا استقالاتهم من أعمالهم الحكومية، في حين ادعى طعنان آخران ارتكاب مرشحين في القائمة جرائم، منها الادعاء بارتكاب جريمة السرقة رغم أن المرشح المعترض عليه كان وقت الادعاء بارتكاب الجريمة داخل المعتقل الصهيوني، وأفرج عنه في صفقة وفاء الأحرار بعد عام كامل من تاريخ الحكم المسطر في الاعتراض، والمرشح الآخر مُعْتَرضٌ عليه بسبب حكم بإثارة النعرات العنصرية سببه أن المرشح انتقد أبا مازن بسبب تأديته للعزاء في المجرم شمعون بيرس مرتكب جريمة قانا، علما أن هذه (التهمة) تعد شرفا وفخرا للمرشح المعترض عليه وأنها مثلت دعاية انتخابية له سابقة لموعدها القانوني، وفي كل الأحوال لا تعد هذه (الجريمة) مخلة بالشرف والأمانة حسب الاتفاق الذي تم بين الفصائل في حوار القاهرة، وقبل ذلك حسب الفقه القانوني للجرائم المخلة بالشرف والأمانة.

حركة فتح استخدمت الاعتراضات من وجهة نظري بشكل يفتقد كثيرا للمهنية والحرفية القانونية، وحاولت من خلال هذه الطعون أن ترد الضربة القوية التي وجهتها إليها حركة حماس من خلال لجنتها القانونية في عام 2016م، عندما اعترضت على قوائم فتح في الانتخابات المحلية آنذاك وأسقطت لها عدة قوائم من قبل لجنة الانتخابات نفسها، قبل أن تكمل طريقها القانوني المحترف وعالي الأداء وتسقط قوائم أخرى من خلال المحاكم، التي أجابت الفريق القانوني ممثل الحركة لطلباته في الطعون وذلك لقوة الحجة والتماسك الرائع والبناء القانوني المحكم للوائح الطعون التي قدمت للمحاكم، فأسقطت قوائم أخرى لحركة فتح، الأمر الذي دفع أبا مازن لإلغاء الانتخابات برمتها، من خلال الاستناد إلى حكم قضائي صدر في الضفة الغربية باعتبار القضاء في غزة (غير شرعي) رغم أن الفصائل كانت قد اتفقت في ذلك الوقت على اعتبار محاكم البداية في المحافظات الجنوبية والشمالية هي محاكم الانتخابات وفقا لقانون انتخابات الهيئات المحلية.

بالاطلاع على سلوك حركة فتح القانوني نلمس ضعفاً واضحاً في الأداء يظهر جلياً لكل مختص في المجال القانوني متابع للأحداث، ذلك أن التصرف الذي قامت به المرشحة دلال سلامة عن قائمة حركة فتح لا يعدو محاولة (غير محنكة) لاقتفاء أثر اللجنة القانونية لحركة حماس، إذ اعتمد الفريق القانوني لحركة فتح الاستراتيجية نفسها التي استخدمتها اللجنة القانونية لحركة حماس عام 2016م، وذلك بأن قدموا الاعتراضات للجنة الانتخابات قبل النصف ساعة الأخيرة من انتهاء اليوم الثالث والأخير لتقديم الاعتراضات حسب قانون الانتخابات المشار إليه، ولم يدر بخلدهم أن المُقَلد لا يمكن أن يرقى لمستوى الأصيل مهما بلغ من الشبه، وأن المتشبه بالأصيل وضع نفسه أمام المختصين في مقارنة أظهرت مدى الضعف وسوء الأداء الذي اعترى فعله بشكل مضاعف، خصوصاً أن الاعتراضات التي قدمت كانت تفتقد لأي من الوثائق التي تدعم ما ورد فيها، فتم الرد عليها بشكل محكم من خلال الوثائق الرسمية التي صاحبت الردود ولم تترك للشك في سقوط الاعتراضات سبيلا.

علما أن قائمة القدس موعدنا كان لديها اعتراضات معدة وجاهزة وهي من القوة بحيث تعيد الكرة التي حدثت في عام 2016، ولكن التزاماً بقرار الحركة لم تقدم هذه الاعتراضات، وذلك حفاظاً على وجود الأجواء الإيجابية للعملية الانتخابية كما ورد في بيان الحركة.

لا بأس بأن يتعلم الآخرون من التجربة المتميزة لحركة حماس في أدائها القانوني والإداري للعملية الانتخابية، لكن ذلك يجب ألا يحرفهم عن انتهاج النهج الذي يتسق مع القيم والمثل التي ينبغي ألا تغيب عن المشهد الانتخابي، حرصاً على أن تستمر هذه العملية بشكل مشرف للكل الوطني الفلسطيني.