مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات التشريعية، الخطوة الأولى لإعادة تشكيل النظام السياسي الفلسطيني، بعد تعطيل دام لأكثر من خمسة عشر عاماً، و ستنتهي اجراءاتها بعد تشكلها بالتوافق الفلسطيني على أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني الجديد، والذي سيتم احتساب الأعضاء فيه بناءً على نتائج المجلس التشريعي الفلسطيني كوحدة قياس لتوجهات المواطن، وسيعتبرون ضمناً أعضاء في المجلس الوطني الفلسطيني عن الداخل المحتل عام 1967م والتي أقيمت عليها مؤسسات السلطة الفلسطينية، وهذه الخارطة التمثيلية للشعب الفلسطيني تم إقرارها عام 2005م في تفاهمات القاهرة، وتم التوافق عليها في حينه تحت مسمى خارطة الطريق الفلسطينية لإصلاح البيت الفلسطيني، والتي أعقبت فوز الرئيس محمود عباس في الانتخابات الرئاسية، والتعطيل لذلك المسار بعد فوز حماس بأغلبية المجلس التشريعي من عام 2006م، وما ترتب بعدها من أحداث الانقسام الدامية، وأسفرت الى احداث انقسام في المؤسسات التمثيلية ما بين غزة ورام الله .
فوجئ الفلسطيني بخطوات التقارب الحمساوي الفتحاوي بعد مفاوضات قوية (العاروري- الرجوب)، والتي أعقبت صفقة القرن الأمريكية، التي حاول بها الطرفان تكوين موقف وطني موحد للكل الفلسطيني لرفض تلك الصفقة، والاتفاق على استراتيجية وطنية ونضالية موحدة باستخدام المقاومة الشعبية، غير أن تغير دراماتيكي حدث على هذا المسار بانحراف بنيوي أفضى إلى الاتفاق على اجراء الانتخابات العامة الفلسطينية، وانطلق بعدها ذلك القطار بحمى وتسارع قوي نحو انجاز هذا المسار.
وفي ظل المؤشرات المتزايدة حول تعطيل او تأجيل اجراء الانتخابات الفلسطينية سواء بالواقع الانقسامي والتشظي الفتحاوي الداخلي الذي ألقى بظلاله من خلال العديد من القوائم المحسوبة على حركة فتح أو بقرار إسرائيلي بمنع أهالي القدس والأراضي المصنفة بالمنطقة سي من الادلاء بأصواتهم واختيار ممثليهم في هذه الانتخابات على قاعده أن صفقه القرن التي عمودها الفقري الاعتراف بالقدس الشريف عاصمة لدولة الاحتلال، هذا التحدي الكبير أمام القيادة الفلسطينية والاحزاب والتنظيمات العاملة باعتبار أن العامل المعطل اجراءات العدو يوجب وضع استراتيجية موحدة من الكل الفلسطيني لفرض الارادة الفلسطينية، وخوض معركة تثبيت الحق الفلسطيني بالقدس التي توجب استخدام أدوات اكثر قوة وفاعلية وتأثير.
ويتبادر لأذهاننا ما الأدوات الأكثر فاعلية وكفاءة وقوة لمواجهة تعطيل الانتخابات ومحاوله فرض الغطرسة الإسرائيلية التي عبر عنها رئيس جهاز الشاباك الإسرائيلي باللاءات الإسرائيلية: لا انتخابات في القدس، ولا لحكومة وحدة وطنية فلسطينية جديده تضم حركات المقاومة كحماس والجهاد الإسلامي.
هذا الفيتو الاسرائيلي مطلوب أن يجيب عليه الرئيس محمود عباس باعتباره رئيس منظمه التحرير الفلسطينية وهو من استمع لتلك الاملاءات، بالإثبات للشعب تحرره منها بإجراء المشاورات المسبقة لحكومة الوحدة، وترسيخ وحده وطنية تلبي طموح وآمال الشعب الفلسطيني بأسره، وبأن يرى الكل فلسطيني يعمل جنباً إلى جنب بإدارة الصراع مع المحتل، بالإضافة إلي تحقيق مطالب المواطن الفلسطيني الذي سئم من حالة الانقسام بين البرامج السياسية المختلفة والتي تركت أثراً واضحاً على مسار القضية الفلسطينية، في ظل حاله التراجع العربي الرسمي لنصرتها بل التعدي بالهرولة والتطبيع المجاني مع عدو الأمه بأسرها.
لقد كان لخطاب محمود عباس المتعلق بالانتخابات أثراً كبيراً في الشارع بين نظرتين الأولى أنه لم يتعد "البروباغندا" والثانية أنه توجه حقيقي للرئاسة.
وقد عبرت حركة حماس بصدقية عن توجهات الرئيس وحقيقتها مما جعلها مساندة له وبقوة، بموقف مؤيد لذلك التوجه أولاً بحرصها على تسمية قائمتها الانتخابية بـ"القدس موعدنا"، بالإضافة إلى الموقف الواضح والرافض لإجراء الانتخابات بدون القدس مع الحرص على أن يكون هنالك خطوات مترابطة وقويه لإجبار العدو الاسرائيلي للتراجع عن موقفه، وطالبت بأن تكون الانتخابات في مدينة القدس معركة سياسية وطنية مع الاحتلال، وهو ما يستوجب استراتيجيه وطنيه موحدة من الكل الفلسطيني تبدأ بتشكيل حكومة وحده وطنية قادرة على فرض الإرادة الوطنية واتخاذ اجراءات ميدانية يتم من خلالها حل كثير من القضايا المصيرية التي تم التوافق على ترحيلها لما بعد الانتخابات، وهو تحد كبير، بل يمكن أن نعتبره فرصه ذهبيه يقدمها الاحتلال بغير قصد لتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية ووحدة المؤسسات العاملة لخدمه الشعب الفلسطيني وعلى رأسها إعادة الاعتبار لمنظمه التحرير الفلسطينية ومؤسساتها وتشكيلها بما يضمن كفاءة وحيوية وديناميكية عملها لتحقيق المشروع الوطني وتفعيل المقاومة الشعبية كاستراتيجية متفق على أولويتها في الضفة الفلسطينية.
ويبقي باب التساؤل للفصائل والقوى الوطنية: ماذا لو خضع محمود عباس للإملاءات الإسرائيلية؟ هل سيبقى تشكيل حكومة وحده فلسطينية حلماً يراود كل حر وطني؟ أم سنستكمل بناء وسائل جديدة لاستنهاض الحالة الوطنية بالاتفاق على برنامج سياسي مقاوم فاعل في الخارطة الوطنية الفلسطينية وإعادة بناء مؤسساتنا الوطنية خطوه خطوه إلى أن يتم فرض الإرادة الوطنية الفلسطينية على الكل بما فيه المحتل وأدواته.