كان غريبًا على الشارع الفلسطيني أن يصل عدد القوائم إلى 36 قائمة، والتي يعتقد صاحبوها بأنهم الأجدر في تمثيله في الانتخابات التشريعية المزمع عقدها.
صحيح أن الشارع الفلسطيني مؤطر ضمن اتجاهات سياسية محددة ومعروفة، لكن هذا الانفجار في عدد القوائم يُعبر عن عدد الاتجاهات التي أصبح لها حضور ضمن الجمهور الفلسطيني، وهذا ما يُنافي المعهود عنه بتفرد القيادة الفتحاوية لتمثيل التيار العلماني، والحضور النخبوي لليسار الفلسطيني بفصائله المعروفة، وصولًا لصعود التيار الإسلامي في فلسطين والمتمثل في حركة حماس.
كل ذلك لا يُشكل أزمة للمسار الديمقراطي بشكل عام، فالقانون يكفل الحقوق السياسية، لكن الإشكال الذي يجب أن يتم النظر إليه بعين متفحصة، والذي يلقي بظلالٍ قاتمةٍ على الوضع السياسي العام هو التشظي الذي وقعت في شراكة حركة فتح بدخولها الانتخابات ضمن ثلاث قوائم.
القائمة الأولى التي تمثل فتح اللجنة المركزية تحت قيادة محمود عباس، والثانية قائمة فتح التيار الإصلاحي بقيادة محمد دحلان المفصول من فتح رسميًّا، والأخيرة قائمة الحرية وهي المدعومة من القيادي المفصول من فتح ناصر القدوة، وبالشراكة مع الأسير مروان البرغوثي، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح (حتى الآن).
لم يكن ليحدث هذا التشظي لولا عدة أمور أصبحت حركة فتح رهينةً لها خلال مسيرتها الطويلة والشائكة، ومن أهم ما يؤثر في الحضور الداخلي لفتح هو عدم حسم الأيديولوجيا التي يجب أن تتبناها والتي قد تعبر عن شخصية فتح، وهذا ما جعل الحركة شكلًا من أشكال الخلط الفكري، والذي ولد عدم تجانس بين مكونات الحركة، ما قادها إلى الدخول في صراع داخلي على مدى سنواتٍ طويلة، وانشقاقاتٍ كانت تضعف الحركة وتعصف بها بعد كل مرحلة مما سبق.
إلا أن المسألة الأيديولوجية اليوم أصبحت تُشكل الترف الذي يجمل الصورة الخادعة، فالإشكال اليوم في الميدان كان دائمًا في الولاءات التي ارتبطت بها الشخصيات القيادية في فتح، وهذا ما أصبح يفسر حضور وقوة قيادي ما على آخر داخل الحركة.
وللمثل، المناضل مروان البرغوثي يُعتبر الوريث لنهج ياسر عرفات، ويُشكل رمزية الأسرى عند ياسر عرفات بعد مضيه في الاعتقال قرابة العشرين عامًا في سجون الاحتلال الصهيوني، وأيضًا القيادي ناصر القدوة الذي يعتبر من الامتدادات الدولية والأوروبية والمصرية في الداخل الفتحاوي، عدا عن قرابته من ياسر عرفات، ورئاسته للمؤسسة التي تحمل اسمه قبل أن يتم فصله مؤخرًا، وصولًا لمحمد دحلان والذي يُعتبر رجل أمريكا في المنطقة وله امتدادات في الإمارات العربية ومصر، وهذا مع تجاوز الشخصيات التاريخية والتي قادت انشقاقات عسكرية داخل الحركة، كأمثال أبي خالد العملة، وأبو نضال، وآخرين، والذين كانوا جزءًا من ولاءات متعددة لسوريا والعراق، على سبيل المثال لا على الحصر.
وهذا المسار الطويل نراه في كل المراحل ولا غرابة فيه، لكون الحركة منذ بدايتها كانت قائمة على المصالح المشتركة بين الشخصيات القيادية المكونة لها، وبين تلك الدول والأطراف المخابراتية الموالية لها، لنصل إلى اللحظة الراهنة.
ومن خلال كل ما سبق، وبروز إشكالية الولاءات الخارجية والمشارب الفكرية المتعددة والمتباينة، نصل إلى التساؤل عن إمكانية وجود إجماع ما داخلي في فتح على رئيس الحركة محمود عباس من عدمه، ووجود سلوك سياسي بخلفياته المتعددة عند أعضاء اللجنة المركزية للحركة، والذي يقود دائمًا إلى الانشقاق لا على الاتفاق.
وعليه، هل القاعدة الفتحاوية منسجمة مع قيادتها أمام الخلل الذي لا يمكن إصلاحه من قوائم مشتركة، مرورًا بإقصاء شخصياتٍ بارزة كالقدوة مؤخرًا؟
والسؤال الأهم، لماذا سمحت تلك الكيانات الداعمة للشخصيات القيادية في فتح بأن تتصارع أمام إمكانية سقوطها في الانتخابات أمام حماس كما حصل في عام 2006م؟
وبعد كل هذا المشهد الفتحاوي، تقف حركة حماس بانسجامها مع فكرها الواضح ومع جمهور المقاومة الفلسطيني والالتحام الغير مسبوق مع فصائل العمل الوطني والإسلامي المقاوم، لتقدم للشعب الفلسطيني القائمة القوية، وبعنوانها الذي يُلخص كل الأمنيات: "القدس موعدنا".
وتبقى فتح أسيرةً أمام الشعار الذي برعت في استخدامه "ديمقراطية غابة البنادق أو القوائم".