فلسطين أون لاين

​ثلاثة أيام في السّجن.. (2)

...
يكتبها/ م. عيسى الجعبري - وزير الحكم المحلي الأسبق

"الحلقة الثانية"


وصلنا إلى معسكر الاعتقال في (عصيون) الذي يقع شمال مدينة الخليل ويبعد عنها أقل من (20) كيلو متر بعد الساعة السابعة صباحًا فيما أظن، وكانت سيارة (البوسطا) التابعة لحرس الحدود والمكلفة بنقل الأسرى من (عصيون) إلى معسكر (عوفر) قرب رام الله متوقفة وفيها عدد من الأسرى.

دخلت (عصيون) حيث أخضعت للتفتيش الجسدي، وأبلغت بأني سأنقل إلى سجن (عوفر)، وأدخلوني غرفة رقم (6) في السجن الذي يتكون من (12) غرفة في كل منها (10) أبراش، وفي أثناء مروري إليها رأيت جنود حرس الحدود يخضعون اثنين من الشباب للتفتيش، وكان واضحًا أنهما سينقلان في (البوسطا)، وتبين لي لاحقًا أنهما اعتقلا هذه الليلة، وقد عرفت أحدهما، وهو الأخ يوسف أبو حسين، الذي عاش معي مدة طويلة في السجن سابقًا، وذكرني الآخر بنفسه، وكان قد قابلني في السجن أيضًا.

دخلت الغرفة وكان فيها (4) من الأسرى، أحدهم حسبما أخبرني اعتقل تلك الليلة، والثلاثة الآخرون مضت عدة أيام على وجودهم فيها، وقد سألتهم هل يوجد غيرهم في السجن، إذ لم ألحظ أي حركة في بقية الغرف تدل على وجود أسرى فيها، فأخبروني أنهم الوحيدون الموجودون هنا بعد نقل الذين في (البوسطا).

لم تمض (100) دقائق على دخولي الغرفة حتى نودي عليّ للخروج في (البوسطا)، فأخذوني من الغرفة للتفتيش، فقلت لضابط (البوسطا): "لقد فتشوني قبل قليل أمامك، فما الداعي لإعادة التفتيش؟"، فقال لي: "كل منا له عمله، وعلى العموم فعندما تنقل من مكان إلى آخر بين السجون يفتشك المسؤولون عن المكان الذي أنت فيه، والمسؤولون عن نقلك، والمسؤولون عن المكان الذي ذهبت إليه، ولا يكتفي أي منهم بتفتيش غيره".

كان تعامل الوحدة التي نقلتنا ذلك اليوم ليس سيّئًا، ولا أقول ذلك تجميلًا لصورة الاحتلال، فالاحتلال بغيض، وهو شرٌّ، ولكنَّ بعض الشرّ أهون من بعض، وهناك أمور يعرفها الأسرى في طرق التعامل التي تختلف من شخص إلى آخر من السجانين، فمثلًا كان الذين نقلونا إذا اشتكى أحد الأسرى من القيود يوسعونها له قليلًا، وكنا جربنا آخرين كانوا إذا اشتكى أسير من ضغط القيود على يديه أو قدميه تعمدوا زيادة الضغط إلى درجة جعلها تنحر عظامه، ولم يكونوا يصيحون أو يشتمون، خلافًا لكثيرين غيرهم.

أوامر الضابط

انطلقت بنا (البوسطا)، وكنا (88) أسيرًا منقولين من (عصيون) إلى (عوفر)، ووصلنا إلى معسكر (عوفر)، وهو معسكر واسع يضم بين جنباته سجن (عوفر) الذي فيه أكثر من ألف أسير، ومجمع محاكم جنوب الضفة، ومركزًا للتحقيق، وكانت وجهتنا إلى مركز التحقيق، هناك قبل دخولنا أخبرني ضابط الوحدة أنني سأنقل بعد التحقيق إلى سجن (مجدّو) لا (عوفر)، حاولت مجادلته، فبحكم معرفتي بالقوانين والإجراءات أنا أعلم أنه يفترض عرضي على محكمة لتمديد الاعتقال في اليوم الرابع للاعتقال، وكان يوم خميس، وهذا يعني أنني سأصل إلى سجن (مجدّو)، ولن أمكث فيه إلا يومًا وبعض يوم، ثم سأعود في (بوسطا) إلى المحكمة، ما يستغرق أسبوعًا كاملًا، ولكن الضابط أخبرني أنه لا يملك شيئًا؛ فهكذا جاءته الأوامر.

في تحقيق (عوفر) يوجد (كونتينر) حديدي يوضع فيه الأسرى في انتظار خروجهم إلى التحقيق، وفيه شباك صغير لا يكاد يدخل شيئًا من الهواء، ويكون هذا (الكونتينر) في أيام الحر كالفرن وفي أيام البرد كالثلاجة، ويبقى الأسير طوال وجوده هناك مقيد اليدين والرجلين، حتى عندما يحتاج الأسير للخروج إلى الحمّام لقضاء الحاجة لا يَفُكّون له أيًّا من قيوده، وعليه أن يتدبر أمره وهو مقيدة يداه ورجلاه، ولذلك تعودت في تلك الحالات أن أمتنع عن الطعام والشراب، لئلا أحتاج الذهاب إلى الحمَّام في تلك الظروف.

يُتبَع..