في تسارع مع الزمن تسعى دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى تهويد مدينة القدس، باتباع سياسة التطهير العرقي ضد المقدسيين، ومن أخطر فصولها الإخطارات لأهالي الشيخ جراح أخيراً بغية طردهم والانقضاض على منازلهم حتى آب/ أغسطس المقبل، بزعم وجود مخطط تنظيمي صهيوني لبناء مسارح وحدائق تخدم الاستراتيجية الصهيونية لتهويد مدينة القدس وتغيير طابعها الإسلامي والعربي والاعتداء على المقدسات.
الطرد والاحلال
في الوقت الذي تسعى فيه "إسرائيل" إلى طرد المقدسيين وخاصة من الأحياء المقدسية القديمة، وضعت مخططات إسرائيلية تستهدف جعل اليهود أكثرية ساحقة في الجزء الشرقي من القدس المحتلة عام 1967، بحيث ستعتمد الزيادة المقترحة لليهود في المدينة على استيعاب اليهود القادمين من الخارج، عبر محاولات فتح قنوات للهجرة اليهودية الكثيفة من دول آسيا وإفريقيا والأرجنتين بعد تراجعها من الدول الأوروبية، هذا فضلا عن الإعلان عن مغريات مالية إسرائيلية لرفع عدد الولادات للمرأة اليهودية المستوطنة في القدس، وذلك بغية ارتفاع معدلات الزيادة الطبيعية لليهود.
وفي الوقت نفسه ستواكب هذه الزيادة لليهود في مدينة القدس وفق المخططات الإسرائيلية سياسات إجلائية مبرمجة إزاء العرب المقدسيين، لترحيلهم بصمت عنها عبر إبطال شرعية إقامتهم في مدينتهم، الأمر الذي سيؤدي إلى الإخلال بالتوازن الديمغرافي لصالح المستوطنين اليهود بالمدينة، لتصبح نسبتهم (88) في المائة في المدى المنظور.
وقد اتبعت "إسرائيل" إجراءات عديدة من أجل دفع العرب المقدسيين إلى خارج مدينة القدس، ومن بين تلك الإجراءات التي تجعل المقدسي يفقد هويته، إذا عاش الفلسطيني المقدسي خارج القدس لمدة سبع سنوات متتالية، أو إذا حصل على جنسية أخرى أو إذا سجل إقامته في بلد آخر.
وتبعا لتلك الحالات فإن دراسات مختلفة تقدر عدد العرب في القدس المعرضين لفقدان بطاقة الهوية العائدة لهم بنحو ستين ألف عربي، وهذا يعني ترحيلهم من مدينة القدس أو بقاءهم خارجها. واللافت للنظر أن كافة الإجراءات الإسرائيلية لترحيل عرب القدس وضعت وفق أحكام القانون الإسرائيلي الدقيق والمخططة سلفا، فصاحب الأرض، ووفقا لنسق تطور الملكية والسكان معرض في أي لحظة لسلب حقه وإقامته، بينما يكفي لليهودي الآتي من دول العالم المختلفة أن يعلن نية القدوم إلى فلسطين حتى يصبح مواطنا في القدس، ولا يفقدها حتى لو غاب سبع سنوات، أو سبعين سنة، أو حمل جنسية أخرى، على عكس العربي صاحب الأرض الذي تفرض عليه قوانين إسرائيلية جائرة، لاستلاب أرضه وتهويدها بكافة الوسائل، خاصة عبر مصادرة مزيد من الأراضي في القدس وبناء المستوطنات عليها لتلف المدينة من كافة الاتجاهات وتعزلها عن باقي المدن والقرى في الضفة الفلسطينية.
الهدم والتجريف
من الأهمية الإشارة إلى أن كافة الحفريات وعمليات التجريف وتدمير المنازل التي لم تتوقف البتة في باب المغاربة ومحيط المسجد الأقصى المبارك، وكذلك في حي الشيخ جراح وكذلك حي سلوان، إنما تخدم الأهداف الإستراتيجية الإسرائيلية التهويدية في مدينة القدس، في وقت لم تظهر فيه إلى العلن سياسة عربية وإسلامية حقيقية وجامعة لمواجهة السياسات والإجراءات الإسرائيلية في مدينة القدس.
وتبعا للسياسات الإسرائيلية الاستيطانية التهويدية في مدينة القدس، بات في مدينة القدس 26 مستوطنة إسرائيلية يتركز فيها (190) ألف مستوطن من اليهود المتزمتين. وفي مقابل ذلك لا يزال في المدينة (260) ألف مقدسي، حيث تسعى "إسرائيل" إلى طرد أغلبيتهم بعد السيطرة على النسبة الكبرى من أراضي القدس وعقاراتها. وفي هذا السياق، ثمة دراسات إسرائيلية أشارت إلى أن إسرائيل تسعى من وراء اصدار القوانين المتلاحقة بشأن القدس لجعل المقدسيين أصحاب الأرض أقلية لا تتجاوز نسبتها (12) في المائة من إجمالي سكان مدينة القدس بقسميها الشرقي والغربي خلال السنوات المقبلة.
اللافت للمتابع أن "إسرائيل" تستغل تحولات المشهد العربي والانقسام الفلسطيني، لتمرير مخططاتها بتصعيد وتيرة الهدم والاستيطان ومصادرة مزيد من الأرض والعقارات والمحال التجارية في مدينة القدس.
إضافة إلى القوانين العنصرية المذكورة، اعتمدت "إسرائيل" سلاح الهدم والنشاطات الاستيطانية في مدينة القدس، ضمن برنامج مدروس لتقليص وجود الفلسطينيين، ويعتبرالجدار العازل من أهم وأكبر النشاطات الاستيطانية في القدس، وأدى إلى سلخ نحو 125 ألف فلسطيني مقدسي عنها، وتهدد السلطات الإسرائيلية بسحب الإقامة منهم.
وبالتوازي مع الهدم والتهجير والاستيطان، تواصل إسرائيل المشاريع العمرانية وضم الكتل الاستيطانية لفرض أغلبية يهودية بالقدس المحتلة، والعمل على الزحف المنظم تجاه الأحياء العربية القديمة في القدس بغرض مصادرة اراضيها كحي الشيخ جراح الذي يواجه أخطر هجمة تهويدية خلال الاونة الاخيرة .
قوانين تهويدية عنصرية
اللافت للمتابع أن "إسرائيل" تستغل تحولات المشهد العربي والانقسام الفلسطيني، لتمرير مخططاتها بتصعيد وتيرة الهدم والاستيطان ومصادرة مزيد من الأرض والعقارات والمحال التجارية في مدينة القدس. وفي إطار سياساتها التهويدية بمدينة القدس، كثفت المؤسسة الإسرائيلية من مخططاتها لفرض الأمر الواقع التهويدي في مدينة القدس خلال فترات حكم نتنياهو، ومنها مخطط للقيام بعمليات جرف وإزالة آلاف المنازل، بغية كسر التجمع العربي داخل الأحياء العربية بمدينة القدس، مثل حي الشيخ جراح والعيزرية.
ونتيجة تلك المخططات ثمة (35) ألف مقدسي مهددون بالطرد إلى خارج مدينة القدس. وبعد إصدار القانون الإسرائيلي قبل عدة سنوات، والقاضي بتهويد قطاع التعليم العربي في مدينة القدس، خاصة في المرحلتين الابتدائية والإعدادية، فإن شبح الترانسفير لا يزال يلاحق ثلاثين ألف فلسطيني من القدس للحصول على فرص التعليم في بقية مدن وقرى الضفة الفلسطينية.
وكانت "إسرائيل" طردت (15) ألف مقدسي أثناء احتلالها القدس الشرقية عام 1967، وقبل ذلك تم طرد ستين ألف مقدسي عام 1948 بعد ارتكاب مجازر مروعة في العام المذكور في قرى القدس، وبشكل خاص في قرية دير ياسين التي ارتكبت بحق أهلها مجزرة مروعة في شهر نيسان /أبريل/ من عام 1948على يد العصابات الصهيونية الهاغاناة والشتيرن.
وتستمر "إسرائيل" في تسارع مع الزمن في محاصرة مدينة القدس بالجدار العازل. وفي هذا السياق تشير دراسات إلى أن عمليات البناء في الجدار المذكور حول المدينة المقدسة باتت في نهاياتها، حيث سيمتد إلى 165 كيلو مترا، سيتم من خلاله عزل مدينة القدس ديمغرافيا وجغرافيا عن محيطها العربي في الضفة الغربية.
ويبقى القول بأن الهجمة التهويدية الاستيطانية التي يواجها المقدسيون في حي الشيخ جراح منذ عدة شهور، تندرج في إطار عملية التطهير العرقي التي تمارسها "إسرائيل" لإفراغ مدينة القدس من أهلها المقدسيين وفرض ديموغرافيا إسرائيلية تهويدية إحلالية.