"إلى الله أشكو؛ إنّه موضعُ الشّكوَى.. وفي يدِهِ كشْفُ المُصيبةِ والبَلْوَى"، لعل هذا لسانُ حال الطبيب الفلسطيني الثمانيني المريض بالسرطان محمد الخضري في غياهب السجن، وإنْ كان لا يقوى على الكلام.
يسابق السرطان الوقت لالتهام جسده بين جدرانٍ أربعة، هناك حيث لا يسمعه السجّان، ولا ينصت إلى أناته أحد.
ذلك الرجل الثمانيني أجريت له عملية جراحية لاستئصال الورم، وعندما اعتُقل في السعودية كان بفترة نقاهة، وخلال فترة اعتقاله انكسر جسر أسنانه ولم يتلق علاجه، كما يؤكد شقيقه د.عبد الماجد لصحيفة "فلسطين".
يقول د. عبد الماجد الذي يقطن في مدينة غزة، إن شقيقه "يجد صعوبة في المشي فيُنقل على كرسي متحرك، ويده اليمنى أصبح لا يستطيع استخدامها بشكل سليم، فيحتاج إلى من يساعده ليتناول طعامه ويقضي حاجته".
ويصف الوضع النفسي لشقيقه محمد بأنه صعب، فرغم أنه ربطته "علاقات جيدة" بالمملكة العربية السعودية، "عومل دون احترام أو كرامة، إلى جانب أن وضع السجن والخدمات الطبية المقدمة ليست بالمستوى المطلوب".
في الرابع من إبريل/ نيسان لعام 2019م بعد صلاة الفجر بالتحديد في مدينة جدّة، اعتقل جهاز مباحث "أمن الدولة" السعودي، محمد صالح الخضري (83 عاماً).
ولد الخضري عام 1938، وتلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في مدارسها، ومن ثم سافر إلى مصر عام 1955 لدراسة الطب في جامعة القاهرة والتي تخرج فيها عام 1960.
"ثم عاد إلى لغزة ليعمل في مستشفى الشفاء لمدة قصيرة لا تتجاوز تسعة أشهر، وغادر 1965 متوجهًا إلى دولة الكويت ليعمل في إحدى شركات البترول هناك، ثم انتقل للعمل في الخدمات الطبية العسكرية"، وفق إفادة شقيقه.
وتزوج الرجل عام 1970 من فلسطينية مقيمة في سوريا، وأنجب 3 بنات وولدين.
ويوضح أنه بعد عام 1973 حصل على التخصص في مجال الأنف والأذن والحنجرة، والزمالة في إحدى الجامعات البريطانية.
ويضيف د. عبد الماجد: "بسبب حرب الخليج انتقل للعيش في المملكة الأردنية الهاشمية حتى عام 1992، ومن ثم توجه إلى المملكة العربية السعودية وعمل طبيبًا استشاريًّا، وأبرم اتفاقًا مع الاستخبارات العسكرية السعودية ليكون معتمدًا وممثلًا لحركة المقاومة الإسلامية حماس لينسق بين الطرفين".
في عام 2010 طلب التقاعد من عمله، والإقامة فقط في السعودية، ومع ذلك اعتقل في 2019 وعُرض على المحكمة الجزائية في الرياض بجلسات متناوبة، وبعدها اعتقل نجله هاني أيضًا، كما يضيف د. عبد الماجد.
"ظروف إنسانية صعبة"
في السادس من سبتمبر/ أيلول 2019، قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان (مقره جنيف)، في بيان: إن "السعودية تخفي قسرًا 60 فلسطينيًّا".
وذكر المرصد أن "المعتقلين طلبة وأكاديميين ورجال أعمال وحجاجًا سابقين، عزلوا عن العالم الخارجي دون لوائح اتهام محددة أو عرض على جهة الاختصاص (النيابة)، ولم يُسمح لهم بالاتصال مع ذويهم أو التواصل مع محاميهم، كما صودرت أموالهم".
وفي الثالث من هذا الشهر، دعت عائلة الخضري في بيان إلى الإفراج العاجل عن الدكتور محمد الخضري الذي "يعاني ظروفا إنسانية صعبة"، مناشدة المنظمات الإنسانية والقانونية الدولية التحرك للإفراج عنه.
وقالت العائلة: "مر عامان على الاعتقالات التي طالت عشرات الفلسطينيين المقيمين في السعودية والذين كانوا يقيمون بشكل قانوني ويعملون بشكل طبيعي في مؤسسات سعودية، وخلال سنوات إقامتهم لم يرتكب هؤلاء أي مخالفة ولم يخرقوا القوانين السعودية، بل قدموا للمملكة من خلال عملهم خدمات كثيرة".
ونبهت إلى أن هؤلاء "يعانون ظروفا صحية وإنسانية صعبة بسبب ظروف الاعتقال وتأخر المحاكمات، وفي الوقت نفسه تعاني عائلات المعتقلين من ظروف اجتماعية صعبة تترافق مع صعوبات اقتصادية ومعيشية وتداعيات نفسية لدى الأطفال".
وأعربت عن قلقها من أن "الأخبار التي تتناقلها المنظمات الإنسانية والدولية عن الأوضاع الصحية والإنسانية للمعتقلين من ظروف الاعتقال والمعاناة وتداعيات أزمة كورونا ونقصان الأدوية تبعث على القلق وتجعل عائلات المعتقلين تعيش أزمات نفسية واجتماعية متواصلة".
عائلة الخضري راسلت -وفق د. عبد الماجد- الديوان الملكي السعودي للإفراج عن ابنها خصوصا أن عمره ووضعه الصحي لا يسمحان باستمرار اعتقاله، لا سيما مع انتشار جائحة كورونا، لكن الرجل لا يزال يعاني الأمرين خلف القضبان.