فلسطين أون لاين

جمانة وفريقها.. "سفراءُ المريخ" في قطاع غزة

...
غزة- سجى حمدان:

تحوَّل لون ورقة "دوّار الشمس" إلى الأحمر حين سكبت عليها جمانة قويدر شيئًا من عصير الليمون، لينطلق بريق الذهول من أعين الأطفال المشدوهين إليها كبُرادة حديدٍ حول المغناطيس.

"هل أنتِ ساحرة؟" سألها أحدهم ببؤبؤيهِ المُتَّسِعَيْن، وقد بات هذا نشاطًا مختلفًا عن لعب الكرة، و"الرسم على الوجه"، وباقي الفعاليات التي يمارسونها في الأوقات المخصصة للأنشطة غير المنهجية.

جمانة التي أنهت تخصص التحاليل الطبية وعملت في أمور شتى إلا تخصصها، كان آخرها "تنسيق مشاريع صحية" لإحدى المؤسسات المحلية، تطرق أبواب الثلاثين مُلقية نظرة رضا على المحطات التي خلّفتها وراءها وما زالت ترقب بعين الصبر الأمنيات المعلقة التي لم يحِن موسم قطافها بَعد.

"أنا لا أنتمي إلى هذا الكوكب".. تكشف جمانة أولى قناعاتها المترسخة خلال دردشة مع صحيفة "فلسطين" حين انكبَّت على "كُتَيِّبات الجَيْب" الخاصة بوالدها قبل 20 عامًا، التي تتناول "الفضاء" تناولًا جذابًا خلال عدة سلاسل، ثمّ زادت هذه القناعة تزامنًا مع بدايات انطلاق قناة “mbc2” التي ما فتئت تبث أفلام "الخيال العلمي" المختصة بالفضاء.

الإيمان بأن الفضاء أوسع من الخيال، ووجود الحياة على كواكب أخرى غير "الأرض" استوطن جمانة، "هذا الكون كبير جدًّا، من غير المعقول أن تكون هذه المساحات الشاسعة فارغة تمامًا، توجد الكثير من المجرات التي قد نجد إحداها مأهولة".. تشرح جمانة انتماءها للفضاء وغموضه بوجه خاص، ولمحة "المجهول" الموجودة فيه.

"الأُمسية الفلكية" التي علمت بها من إحدى صديقاتها صدفةً، كانت أولى خطوات جمانة إلى عالمٍ يشاركها فيه "آخرون" الاهتمامات نفسها، لتلتقي بزملاء "الحلم"، وتكتشف حينها مشروع "سفراء غزة للمريخ" المُقام من "الاتحاد الفلكي الدولي"، سيطرت الصدمة على أركان جمانة التي بدأ الشك يتسلل إلى دواخلها، بأن ما تُحَدِّث به صديقاتها دائمًا هو "محضُّ خيال"، وأن اعتقاداتها "أحلامُ يقظة" لا غير.

"قلب العقرب"

"اعتقدتُ في البداية أننا سنُمنح جواز سفر إلى المريخ حقًّا، وهذا ما جعل صدمتي مضاعفة، لكنّي اكتشفت فيما بعد أنه برنامج تدريبي عن الفلك والعلوم المتشابكة معه".. تتحدث جمانة وقد باتت تضغطُ وجنتاها المنتفختان على عينيها ضاحكةً من "براءة تفكيرها" حينذاك.

لا تزال جمانة مُمتنَّة حتى هذه اللحظة للقدر الذي لم يضعها أمام أسئلة "فيزيائية وكيميائية" خلال "المقابلة" كغيرها من الزملاء، وإنما اقتصرت الأسئلة على "لعبتها": الأساطير الفلكية.

"بدأنا التدريب، وكان في قطاع غزة تلسكوبًا وحيدًا نرصد خلاله الكواكب والنجوم(...) كما تلقينا التدريبات في العلوم المختلفة".. تصف جمانة وقد اتسعت عيناها في محاولةٍ للتعبير عن الحدث، فتركض لنا بالذاكرة إلى "قلب العقرب" أول نجمٍ سافرت إليه عبر التلسكوب العتيق.

كانت جمانة قادرة على "التغزل" بأشكال المجرات براحة دون خوفٍ من سهام الاستغراب، لينتهي التدريب، وتُتوَّج جمانة على أنها "أفضل مشارِكة" في المشروع.

تزامنًا مع انتهاء عدوان 2014 على قطاع غزة، سعت جمانة، كغيرها من الشباب، إلى تنفيذ أفكار للترفيه عن أطفال المدارس ولكن على "طريقتها الخاصة"، حيث هدفت إلى إجراء التجارب المختلفة أمام أعين الأطفال مُنمِّيةً لديهم "حبَّ الاستطلاع"، لترسى سفينتها على مشروع "دكستر" الذي استوحت اسمه من سلسلة "مختبر دكستر" للأطفال المعروض على “mbc3” وقتئذٍ.

"كان يهمني أن نعيد الأمل لأولئك الأطفال الذين اقتص العدوان جزءًا من أحلامهم، فكانت التجارب الغريبة تجعل عيون الأطفال "بتضوي"، مثل: تجربة "طنجرة الضغط"، تجربة البلازما "الحالة الرابعة للمادة"، والكشف عن الحموض والقواعد بواسطة ورق دوّار الشمس".. تضيفُ جمانة التي سعت مع فريقها إلى تنفيذ فعاليات لإعادة تأهيل الأطفال بـ"الفلك" فيتملكهم حب الشيء.

بُهت الأطفال بفعل جمانة التي همَّت بتشريح "جسد السمكة"، وتعريفهم إلى أجهزتها وطريقة تنفسها تحت الماء، وما فتئت تحدثهم عن القمر والمطر الحمضي الذي يتساقط على "الزهرة"، ونوعية تُراب "المريخ".

"ربما تتسائلين ما علاقة كل ذلك بالفضاء؛ إذ توجد فكرة شائعة أن علم الفضاء يختص بالفلك فقط، والحقيقة أنه يضم الفيزياء والكيمياء ويتشابك مع عدة أحداث على رأسها: الطقس، درجة الحرارة، حركة الرياح".. ما فتئت جمانة توضح اللبس الذي قد يحدث.

نفذت جمانة وفريقها "سفراء المريخ" عدة أمسيات فلكية يرصدون بها الكواكب والشُّهب بعد الساعة العاشرة ليلًا، إضافة إلى إقامة "تحدي غزة الفلكي التكنولوجي" الذي سعى المشاركون من خلاله إلى صناعة "تطبيقات فلكية"، فكانت "التقويمات الفلكية" و"الألعاب"؛ ما لفَّ حولهم مجموعة جديدة من الشباب الذين يشاركونهم فضول الفضاء هذا.

يستمر دولاب الأنشطة في دورانه، لتتأهل جمانة رسميًّا للتدريب في مجال الفلك بعد دورات مكثفة أشرف عليها "مركز أبحاث علوم الفضاء والفلك بجامعة الأقصى"، ثم تتوقف جمانة عند أعظم حدث بالنسبة لها:" في عام (2019) قدتُ حملةً وطنيةً لانتزاع تسمية " كوكب ونجم" من الاتحاد الفلكي الدولي ضمن مجرتنا بـ"أسماء فلسطينية" مستندين في ذلك إلى استفتاء شعبي في المدارس والشوارع"، لتكون الأسماء النهائية: كوكب يبوس، ونجم موريا -الهضبة التي يقع المسجد الأقصى فوقها-.

جمانة التي حظيت بـ"العضوية الفخرية" في "الجمعية الفلكية الفلسطينية" في إثر تنفيذها التدريبات المختلفة، تقول:" الفضاء دائمًا ما يرسل إلى قلبك أن "أطلق الطفل الذي بداخلك" فهذا الكون الكبير يمنحك شعورًا بسعادة كونك صغيرًا مهما تقدم فيك العمر، فنحن نجتمع لنرى الكواكب "متساوين" تحت سماء واحدة".

05add70b-65a6-4576-b876-d936ce755664.jpg

 

2fc94be0-6528-41bd-81ec-833a8ed3aadd.jpg