يحيا العدل.. يحيا القسام.. تحيا المقاومة، أيا كانت الكلمة التي نطق بها أحد المحكوم عليهم بالإعدام في قضية الشهيد مازن فقها بعد صدور الحكم عليه، في مشهد أثار استغراب كثير من المتابعين ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، لكنها وإن مرت ككلمات عابرة فقد أحدثت أثرا كبيرا لدي شخصيا لما لها من أمنيات تحمل في طياتها رغبة حقيقية لـ"يحيا العدل".
نعم، يحيا حقيقة من خلال تطبيق الشريعة والقانون في حق هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم وأهليهم ومجتمعهم بما اقترفوه من إثم، لا شك لدي أن كثيراً منهم يقع فيه غير مختار أو متقصد ولكن لسوء في التقدير وتعمق في بعض الأخطاء التي تنقلهم إلى مربع الخطايا الذي يرون ألا عودة منه بعد ذلك إلا بمزيد من الاستمرار في وحله.
يحيا العدل حقيقة عندما يطبق عليهم القصاص بكل "إنسانية" وإن كان فعلهم غير إنساني، يحيا العدل عندما لا نحكم عليهم بجهنم ولا بالجحيم، فنحن لسنا آلهة ولا بأيدينا مفاتيح الجنة والنار حتى لو كانت على أعتى المجرمين طالما طبق فيه حد الله تعالى فلعله تاب، وأظن كثيراً منهم يفعل، وحتى لو لم يفعل، لا دخل لنا بمصائرهم الأخروية في تعد واضح وسافر على اختصاص الله.
يحيا العدل في إعادة سيرتنا الأولى نحو المجتمع الإسلامي الحق، العادل في تطبيق الحدود، وما بعد الحدود، ويحضرني في هذا السياق مع اختلاف الخطيئة هنا، ومع الفارق في الأشخاص، ما حدث في قصة المخلفين الثلاثة أيام غزوة تبوك، حين اشتد الحر، والأمر، وصار إما لحاق النبي صلى الله عليه وسلم أو البقاء في رغد الزرع والحصاد في المدينة، فكان كعب بن مالك رضي الله عنه ومن معه من الصحابة.
نعرف قصتهم لا شك، عشرات الأيام تمر ويبدأ الضيق ينالهم شيئا فشيئا، يقاطعهم المسلمون، تضيق عليهم الأرض بما رحبت وتضيق بهم أنفسهم التي بين جنباتهم، حتى يؤمروا باعتزال نسائهم والابتعاد عن كل شيء وأي شخص يمكن أن يكون لهم سلوى في أزمتهم.
لقد اعترفوا بالذنب، وتحقق عليهم العقاب، حتى حكم الله لهم بالتوبة والغفران، وما يهمني هنا هو رأي المجتمع في التعامل معهم بعد ذلك، طريقته في استقبالهم، والمسارعة إليهم بالبشارة، ثم إعادة دمجهم سريعا في ثنايا المجتمع، لم يعد أحد لمعايرتهم، ولا يجعلوها سبة عليهم بقية العمر.
فهل نحيي نحن العدل الآن مع بقية أهل أولئك العملاء، نعينهم على إعادة الاندماج في المجتمع بسلامة نفس، دون معايرة أو وصمة تبقى في جبينهم مهما أعلنوا البراءة من ذلك الفعل، ومهما مر على تطبيق الحد في صاحب الخطأ.
هل مر علينا في المجتمع أننا سامحنا أحدهم كان عميلًا ثم "تاب وحسنت توبته"! أظن لم نسمع بذلك، ليس لأن أحدهم لم يتب، بل لأننا لم نسمح لتوبتهم أن تحسن.. وبقينا نصفه "بالعميل". هي دعوة مفتوحة إذا ليحيا العدل وإن كانت من فم ذلك المحكوم، لكن لنحقق دعوته في أهله وأولاده، بل وفي نفسه.