فلسطين أون لاين

متى يجب عليَّ زيارة المُعالج النفسي؟

...
زينب أبو سفاقة- اختصاصية علم نفس

يجهل كثير من الناس الفرق بين المعالج والطبيب النفسيين، وهو أمر طبيعي إذا وضعنا في الحسبان النظرة القاصرة التي يحدج بها بعض المرضى النفسيين، مشيِّدًا بها جدارًا باسقًا يحول بينهم وبين تلقي العلاج الملائم، فما تزال وصمة "العيب" متجذِّرة في النفوس، وما فتئت كلمة "مجنون" و"مختل" تلازم عتبات أذنَيْ كل من يتلقى العلاج النفسي، مشكِّلة بذلك خوفًا يمنع المصاب ومن حوله من الاعتراف بوجود مشكلة ما، فيعزون ما نابه إلى الماورائيات من جن وشياطين، متهربين من إيجاد العلاج لدى مقدميه، ثم تبدأ رحلة البحث عن شيخ -كما يطلق عليه- يشفيه من المس، مفاقمين بذلك حجم المشكلة ومبتعدين كل البعد عن حلها.

تختلف وظائف الطبيب والمعالج النفسيين بطريقة قد تجعل زيارة المعالج النفسي أقل رهبة، فمن الفروق الجوهرية بين المهنتين أن الطبيب النفسي ينظر إلى المرض النفسي أنه اختلالات هرمونية ويستخدم الدواء علاجًا أساسيًّا لها، في حين أن المعالج النفسي يعتمد تغيير سلوكيات المريض غير المرغوبة باتباع أحد مناهج وتقنيات العلاج النفسي دون استخدام الدواء، كما أنه قادر على التعامل مع الاضطرابات الخفيفة والمعتدلة، أما تلك الشديدة فتستلزم قطعًا وجود الطبيب النفسي للإشراف على الحالة.

وبعد فهم الفرق بين المعالج والطبيب النفسيين، يطرق عنوان المقال الخاطر، حسنًا إذن:

- متى يجب عليَّ زيارة المعالج النفسي؟

يمكنك زيارة المعالج النفسي عند مواجهتك أي ضغوطات نفسية تنغص حياتك اليومية وتكون عاجزًا عن التعامل معها، كالشعور بالقلق والتوتر بسبب العمل أو الدراسة أو ظروف الحياة الضاغطة، مثل المرور بمواقف صادمة ومؤلمة، كالطلاق أو وفاة شخص عزيز، أو للتعافي من آثار اعتداء جسدي أو جنسي، أو حل النزاعات مع شريك الحياة، أو مواجهة حقيقة الإصابة ببعض المشكلات الصحية الجسدية كالسرطان والسكري، أو للتخلص من بعض السلوكيات غير المرغوبة، كمصّ الإبهام، أو الحركة الزائدة، أو التبول اللاإرادي لدى الأطفال، أو الغضب السريع أو ممارسة العادة السرية، أو إدمان التدخين، أو الخمر، أو المخدرات، ما يعني أن زيارة المعالج النفسي لا تستلزمها الإصابة باضطرابات نفسية، ولا تعني بالضرورة وجوب تشخيص الإصابة بأحدها.

وبذلك إن وظيفة المعالج النفسي ليست مرتبطة بالضرورة بالحالات المرضية الشديدة التي يطلق عليها المجتمع لفظ "مجنون"، بل هي وظيفة مهمة جدًّا للمجتمعات عامة، والمجتمع الفلسطيني خاصة، لما يواجهه أبناء شعبنا من ضغوطات يومية يمارسها الاحتلال، من قتل واعتقال وتدمير وترهيب، ما يرفع احتمال الإصابة بالاضطرابات النفسية، وهنا يأتي دور المعالج النفسي الذي يخفف عن هؤلاء آلام ثقوب الروح المخفاة عن العيان، ويضمد جروحهم الداخلية النازفة، ويباعد بينهم وبين الوقوع في وحل الأمراض النفسية.