لا تدع بلدية الاحتلال في القدس مجالًا لمشاريع التهويد إلا وتكون في مقدمة الداعمين لها، إذ عرضت مؤخرًا طرقًا مختلفة للترويج للاستيطان فوق أسطح الأسواق التاريخية بالمدينة المقدسة.
ووضعت بلدية الاحتلال عينها هذه المرة على أسواق البلدة القديمة ومنها سوق اللحامين وسوق خان الزيت وسوق العطارين، التي تعد عنوان مدينة القدس وقلبها النابض.
ونشرت بلدية الاحتلال مؤخرًا تقريرًا يتضمن توفير التكلفة المادية لمشروع سياحي تهويدي فوق أسطح البلدة القديمة ومنها الأسواق، التي هي أملاك وقفية، بقيمة 17 مليون دولار، وذلك من المليونير اليهودي الكندي "روبين هراري".
مشاريع لا تتوقف
ويقول المختص بخرائط القدس خليل التفكجي: "هذا المشروع مخططاته منذ زمن وكان ينقصه التمويل المادي، ومع توفر التمويل المطلوب لن يكون هناك أي عائق أمام تنفيذه فوق أسطح ومباني البلدة القديمة ومنها الأسواق التاريخية لتطوير مسارات تلمودية سياحية حسب الرواية الإسرائيلية".
ويضيف التفكجي: "يلتقي هذا المشروع مع مشروع آخر قرب الحديقة الإنجليزية الذي بات يعرف بالحي اليهودي، وهذا الأمر في قمة التعدي على أملاك وقفية منذ العهد العثماني".
وينبه إلى أن المنظومة الاستيطانية لا تتوقف في البلدة القديمة سواء بالحفريات أسفل المنازل والمسجد الأقصى أو من خلال السيطرة على أسطح المباني، منها أسواق القدس التاريخية، منبها إلى أن المشاريع ستلتقي بكنائس يهودية أقيمت مثل كنيس النور فوق المدرسة التنكزية المطل على المسجد الأقصى بشكل مباشر أو كنيس الخراب، وغيرها من الأماكن التهويدية.
ويتابع: "سيشمل المشروع ترميم ومد جسور وبناء ممرات وإقامة حدائق فوق أسطح المنازل والأسواق لتحسين الرؤيا للمجموعات السياحية والمستوطنين، فهم يريدون تغيير المعالم بشكل تام لصالح الرواية التلمودية الإسرائيلية".
وينبه إلى أنه "سيأتي على 75% من الأملاك الوقفية والوقف الذري والخاص، فهو مشروع وقح واستفزازي، يمس أراضي وأسطح وقفية"، مشددا على أن منظمة اليونسكو "عليها مهام عاجلة لوقف هذا المشروع الذي يهدد تراثًا قائمًا منذ مئات السنوات".
ويشير إلى أن الاحتلال "يهدم التاريخ والتراث في مدينة القدس حتى يرسخ الرواية الإسرائيلية على أرض الواقع".
تآمر على القدس
و يقول الخبير العمراني في القدس المحتلة د. جمال عمرو: "الاحتلال يجند المليونير روبين هراري من كندا من أجل تمويل تهويد أسطح المنازل والأسواق التاريخية في حين أن أغنياء العرب لا يقدمون شيئا للقدس، بل يُتآمر عليها من خلال تسريب عقارات مقدسية للجمعيات الاستيطانية".
ويضيف عمرو: "بدلا من الدعم والتمويل يكون التواطؤ على القدس، فمباني البلدة القديمة وأسواقها من أقدم الأسواق في العالم وتحكي قصة القدس، فهم لا يريدون لها أن تبقى قائمة حتى يمر السائح من أعلى فيرى ممرات حديثة وجسورًا جديدة وحدائق جميلة بعد إخفاء أسطح الأسواق والمنازل، فيتم إخفاء قلب المدينة النابض وحاضن المقدسات".
ويلفت إلى أن البلدة القديمة مساحتها كيلومتر مربع يقطنها قرابة 33 ألف مقدسي، ويتم محاصرتهم من الأسفل والأعلى لترحيلهم وتخفيض عددهم إلى عشرة آلاف مقدسي.
خطر الهدم والترحيل
في سياق متصل، يواجه أكثر من 100 مبنى، يسكنه قرابة 1550 فلسطينيًّا، و63% منهم هم أولاد دون سن 18 عاما، في بلدة سلوان المحاذية للبلدة القديمة خطر الهدم الفوري، في أعقاب طلب قدمته بلدية القدس إلى محكمة الشؤون المحلية، قبل ثلاثة أسابيع.
وفي هذا السياق، فإن بلدية القدس تكون قد تراجعت بتقديمها هذا الطلب عن مفاوضات "غير مألوفة"، أجرتها مع سكان في سلوان حول مخطط "إخلاء-بناء"، من أجل التوصل إلى حلول سكنية، وتوصلت إلى تفاهمات مع سكان البيوت المهددة بالهدم.
ويهدف مخطط البلدية إلى تنفيذ مشروع استيطاني مكان هذه المباني الفلسطينية، وإقامة ما يسمى "متنزه حديقة الملك"، الذي أعلن عنه رئيس بلدية القدس السابق، نير بركات، في عام 2010. ويقضي المخطط بإقامة هذا المشروع الاستيطاني في حي البستان في سلوان، وأن يكون موقعًا "سياحيًّا-أثريًّا". وقضى المخطط بهدم عشرات المباني وطرد العائلات الفلسطينية التي تسكنها.
يشار إلى أن السكان الفلسطينيين أقاموا هذه المباني في أراضٍ بملكيتهم، ولكن البلدية تدعي أنها بُنيت دون تصاريح بناء. وكان هذا المخطط قد أثار ضجة في حينه، وتعالت احتجاجات دولية ضد بلدية القدس.
ونظم السكان الفلسطينيون في سلوان أنفسهم من أجل مقاومة المخطط الاستيطاني ومنع هدم بيوتهم. وفي إثر ذلك وافق السكان والبلدية على الشروع بمفاوضات في محاولة للتوصل إلى اتفاق يحصلون من خلاله على أراضٍ لبناء بيوت جديدة لهم.
وجرت المفاوضات خلال السنوات العشر الماضية، لكن البلدية لم ترفع خطر الهدم طوال هذه الفترة. وبلدية القدس هي أبرز أذرع الاحتلال في المدينة.
وقال المتحدث باسم لجنة الدفاع عن أراضي وعقارات سلوان، فخري أبو دياب: "أصبحنا ننتظر الجرافات لهدم الحي.. فلا غطاء قانوني لبقاء الحي، بعد رفض المخططات الهندسية للحي والقرار بعدم تمديد فترة تجميد قرارات الهدم".
وأضاف أن "هناك 100 منزل يقطنها 1550 نسمة أصبح مصيرهم مجهولًا، وقد أطلق الأهالي مناشدة للمجتمع الدولي والمؤسسات الحقوقية والدبلوماسيين لمنع هدم منازلهم".
وتابع أن "أبلغت البلدية محامي حي البستان ولجنة البستان بتنصلها من الاتفاقيات بعدم الهدم، وستقوم بهدم كل منازل الحي، لإقامة حديقة توراتية على أنقاض الحي".
وشدد أبو دياب على أن "إلغاء المخططات الهندسية يعتبر قرارًا خطرًا، لا يتوقف على هدم الحي بأكمله فقط، بل ربما ينعكس بتغيير سياسات البلدية من الهدم الفردي إلى الهدم الجماعي، وبالتالي بداية هدم وترحيل أحياء كاملة في القدس لتفريغها من سكانها".