الشعب الفلسطيني الموجود خارج فلسطين خرج تحت وابل من سواد الليل والبارود، خرج نتيجة حرب قذرة استعد لها العدو الصهيوني عشرات السنين متحالفًا مع القوى الاستعمارية الغربية، خصوصًا بريطانيا وفرنسا، فكان من نتيجتها (نكبة 1948)، خرجوا منها بالقوة المفرطة بالعنف والإرهاب، اقترفت المذابح والجرائم بحق الإنسان الفلسطيني لإجبار أكبر عدد من الشعب على الخروج من فلسطين، بحثًا عن ملاذ آمن؛ فكان (الشتات الفلسطيني)، ولم يستطع إخراج جميع الشعب الفلسطيني لعدم قدرته على استيراد أكثر مما استورد من المهاجرين اليهود الصهاينة، وما كان للاحتلال الصهيوني أن يعمر زمنًا أطول لولا استطاعته إخراج معظم الفلسطينيين من فلسطين، مستهدفًا إنهاء قضيتهم متوقعًا الاستفادة من الزمن وأن الأجيال ستنسى.
إن صمود الصامدين من شعبنا الفلسطيني في أرض فلسطين المحتلة عام 1948 أفشل المشروع الصهيوني الهادف إلى تهويد فلسطين، أو ما سموه (يهودية الدولة)، فلم تتحقق واقعًا رغم كل الإمكانات التي امتلكوها، فها هم يلهثون وراء اعتراف الشعب الفلسطيني بكيانهم وتهويد فلسطين المحتلة.
فكان أقل من ربع الشعب الفلسطيني في الداخل لهم دور كبير في إفشال مشروع تهويد فلسطين، ولم تنجح كل طرق التشتيت القسري للشعب الفلسطيني في إلغاء حقهم في الجهاد والنضال للتحرير والعودة إلى فلسطين، وكانت إرادة النضال والجهاد الفلسطيني راسخة في وجدان الشعب الفلسطيني قولًا وعملًا ملموسًا منذ جولة الحرب الأولى عام 1948، فكانت هذه الحرب جولة واحدة ولم تستقر بالرغم من النكبة، والحرب سجال، بقي الشعب الفلسطيني متمسكًا بعروبته وحقه في وطنه فلسطين، يناضل بالطرق والوسائل المتاحة المشروعة، وتبلورت المقاومة والثورة لتحرير فلسطين كل فلسطين عند فلسطينيي الشتات بعدة أشكال من الجهاد والنضال، وبأساليب متعددة تتباين وتتصاعد وتتجدد، وبإصرار، بحسب الإمكانات المتاحة وحالة واقع الشعب الفلسطيني، وبحسب الظروف والمعطيات السياسية العربية والإسلامية والدولية.
إن جهاد وكفاح الشعب الفلسطيني من أجل تحرير فلسطين كل فلسطين استمر ولم ينقطع بالرغم من نكبة عام 1948، واستمر جهاده ونضاله متطلعًا إلى الحرية وتحرير وطنه فلسطين بأشكال متعددة وفردية أحيانًا، لكنها في مدة قصيرة بالرغم من كل التحديات تبلورت على شكل النضال السياسي من طريق قوى قومية وتقدمية وعروبية تطورت إلى قوى مسلحة ووحدت جهادها ونضالها تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية على أساس الميثاقين القومي والوطني الفلسطيني والمنطلقات الأساسية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني، وبالرغم من الانحراف الكارثي عن الميثاقين والمنطلقات بكارثة أوسلو الدنية لم يستطع العدو الصهيوني أن ينجز ما صبا إليه من انتزاع اعتراف الشعب الفلسطيني بحقه في إنشاء كيانه على أرض فلسطين وما سمي (دولة إسرائيل) بفضل مقاومته المستمرة ورفضه كل مشاريع تصفية قضيته، وفي مقدمتها حاليًّا مشروع (صفقة القرن)، ولم ينسَ الشعب الفلسطيني بل بقي واستمر في نضال وجهاد طويل دام أكثر من 72 عامًا محافظًا على هويته الوطنية الفلسطينية، وتمسك بحقوقه الوطنية في التحرير والعودة، واليوم نشهد تطورًا في أداء المقاومة وقلعتها في غزة والمقاومة في الضفة حسب الظروف المتاحة، وحراكًا شعبيًّا متصاعدًا نحو انتفاضة شعبية فلسطينية واسعة لدحر الاحتلال دون قيد أو شرط، وحراكًا شعبيًّا فلسطينيًّا متصاعدًا في فلسطين 1948، وها هو الكيان الصهيوني وحلفاؤه "الإسراميكيون" في اهتزاز وارتباك، فيحاول جر مقاومة الشعب الفلسطيني إلى المجرب، مفاوضات عبثية من طريق الاستعداد لها وسراب حل الدولتين.
ففي هذه المرحلة المطلوب عدم إعطاء الأولوية لانتخابات غير مضمونة العواقب، فلا بد أن يوحد أبناء فلسطين كل جهودهم داخل فلسطين وخارجها على طريق الاجتثاث النهائي للوجود الصهيوني على أرض فلسطين، موحدين جهادهم ونضالهم متحالفين مع عمقهم العروبي والإسلامي الحر.
ومن الواجب المطلق على كل فلسطيني أولًا داخل وخارج فلسطين كلٌّ ضمن أقصى الإمكانات المتاحة أن يعلن أن فلسطين وقف عروبي وإسلامي من البحر الأبيض المتوسط -وفيه المياه الإقليمية- إلى نهر الأردن، وأنه لن يتحقق ما عجزت عن تحقيقه ما تسمى (إسرائيل) والقوى الإمبريالية الاستعمارية ومن يدور في فلكها على مدى أكثر من 72 عامًا، واجب كذلك ملقى على كل قومي عروبي وإسلامي حر.
ولن يتحقق النصر إلا بانتصار عروبة فلسطين على كيان الاحتلال الصهيوني، ولن يكتمل إلا باجتثاث كل البنى والهياكل التي أقاموها على أنقاض بيوتنا ودورنا، وبناء فلسطين عربية إسلامية من بحرها إلى نهرها.
فلا حل ولا فائدة ترجى من الدخول في متاهات اجتهادات سميت ديمقراطية قبل تحرير فلسطين وما يسمى (شرعية التمثيل)، الشعب الفلسطيني ما زال في حالة مقاومة، وشرعية المقاوم مقاومته المستمرة وسلاحها، لا المساومة والتفريط، تحت أي مسوغ كان، بل الاستمرار بالإعداد والمقاومة والجهاد، ووحدة خط المقاومة والجهاد، سبيلًا وحيدًا لدحر العدو الصهيوني وتفكيك كيانه، فلا عودة إلى الوراء والاجتهاد والهرولة مع خط المساومة، الذي بدأ الانحراف منذ النقاط العشر وما تبعها وصولًا إلى كارثة أوسلو وإفرازاتها الدنية، فالذي (يجرب المجرب عقله مخرب) و(لا يلدغ المؤمن من حجر واحد مرتين).