سمحت حركة حماس لأنصار محمد دحلان بالعودة إلى قطاع غزة، ورفعت كل تحفظاتها على الشخصيات القيادية، بما في ذلك رشيد أبو شباك وسمير المشهراوي وغيرهما من الأسماء، وفي ذلك إشارة إلى أن حركة حماس تشجع الديمقراطية، وتفتح بوابة التنافس في انتخابات المجلس التشريعي على مصراعيها، وتطلق العنان للتطاحن التنظيمي بين فتح اللجنة المركزية وفتح التيار الإصلاحي، وفي ذلك خير للمجتمع الفلسطيني الذي سيراقب، ويستمع إلى الحجج والدعاية الانتخابية، ويتسلم المزيد من المساعدات المادية، التي باتت تغدق على أهالي قطاع غزة، وكأنهم مدعوون إلى عرس أحد الأثرياء، تقام لهم الولائم، وتوزع عليهم المنح والعطايا.
حركة حماس تدير المشهد الانتخابي بحذر شديد، فهي قريبة من فتح اللجنة المركزية من خلال جبريل الرجوب، وعلى استعداد لتشكيل قائمة مشتركة معها، وفي الوقت نفسه تفسح المجال لأنصار محمد دحلان للتمدد على أرض غزة، لصد تمدد أنصار محمود عباس، وكأنها لا تفاضل بين الرجلين، وهي التي وافقت على تشكيل قائمة موحدة تضم الكل الوطني، تفرض عليها المفاضلة، لأن عباس لن يقبل أن تضم القائمة المشتركة تيار دحلان الإصلاحي.
موضوع المفاضلة بين دحلان وعباس ليس جديداً، فقد اشتغلت عليه حركة حماس قبل خمس سنوات، وقد نشرت مقالاً بتاريخ 29/10/2016 تحت عنوان: حماس بين دحلان وعباس، أعاود نشره هنا سنة 2021 ، وفيه أقول:
لو قدر لحركة حماس أن تفاضل في التحالف بين محمود عباس ومحمد دحلان، فإنها ستختار محمود عباس، وذلك لعدة اعتبارات:
أولاً: تدرك حركة حماس أن طموح عباس في المرحلة القادمة لا يتعدى حياة آمنة له ولأولاده، في حين طموح محمد دحلان يتعدى أمنه الشخصي، ويرقى إلى مستوى السيطرة على القرار الفلسطيني بشكل عام، وعلى غزة بشكل خاص.
ثانياً: لقد ولت أيام محمود عباس السياسية، فالرجل يقف في آخر المشوار، لا يقوى على الحركة، وسراجه السياسي ينطفئ رويداً رويداً، في حين أيام محمد دحلان السياسية مفتوحة على أكثر من احتمال، وتتوقد حركة ورغبة في احتواء كل شيء تحت إبطه.
ثالثاً: يفقد محمود عباس نفوذه، وتتقلص مساحة حضوره، ويتخلى عنه أقرب حلفائه، في الوقت الذي يتلقى دحلان الدعم من الرباعية العربية، ولا تغضب منه (إسرائيل)، ويتوسع في المساحات الشبابية التي يفقدها عباس يوميا.
رابعاً، يمارس محمود عباس سلطته في مدن الضفة الغربية فقط، ولا سلطة له على غزة، وتضيق عليه مساحة التأثير حتى داخل المقاطعة، في حين يحرص دحلان على الحضور في الضفة الغربية ومخيماتها، ومن ثم الحضور الفاعل في قطاع غزة.
خامساً: قبضة عباس متراخية على الأجهزة الأمنية، في حين قبضة دحلان على أنصاره قوية.
سادساً: محمود عباس بعيد، ولا قوة دفع مصرية من خلفه تؤثر في حركة حماس في غزة، في حين محمد دحلان قريب، ومن خلفه مصر التي لا تبتعد عن قطاع غزة مقرط العصا.
أكتفي بهذا القدر من المقال الذي نشر منذ خمس سنوات، وقبل أن يستقوي محمود عباس على غزة، ويفرض عليها الإجراءات العقابية، لتأتي الانتخابات التشريعية هذه الأيام، وتفرض على محمود عباس إلغاء الإجراءات العقابية تقرباً وتودداً للناس، وتخوفاً من التحولات الجذرية التي تشهدها الساحة السياسية الفلسطينية، التي تُنبئ بالمزيد من الانشقاقات التنظيمية، والمزيد من التحالفات الحزبية، وهذا الخليط يلقي بثقله على مستقبل السيد عباس نفسه، وعلى مستقبل المرسوم الرئاسي بإجراء الانتخابات.