فلسطين أون لاين

لمصلحة أطفالكم.. حافظوا على الفضل بينكم بعد الطلاق

...
صورة تعبيرية عن الطلاق.jfif
غزة- ريما عبدالقادر

أولت الشريعة الإسلامية اهتمامًا كبيرًا بالأسرة، وكل ما يتعلق بها، فجعلت أحكامها تحفظ الحقوق لكل الأطراف، وقدمت صورة مشرقة حتى في الطلاق بعدالة تشريعاتها السماوية، الأمر الذي ينعكس إيجابًا على تربية الأطفال، باعتبارهم العامل المشترك الذي يحتاج إلى الحب والاهتمام المتبادل من الأم والأب.

وعلى الرغم من هذه العدالة التي وضحتها الشريعة بأدق تفاصيلها فإن البعض يغض البصر عنها، ويفرض العقوبات على الطرف الآخر بعد الطلاق، ويكون الأطفال هم الضحية.. فكيف ترى الشريعة الإسلامية هذا التصرف؟

معاناة الطلاق

كان الحال يغني عن السؤال من حجم المعاناة التي ارتسمت على ملامح ابتسام إبراهيم (36  عامًا) وهي تتحدث لصحيفة "فلسطين" عن معاناتها بعد انفصالها عن زوجها وحضانتها لأطفالها.

تقول والدموع تنهمر منها: "لا أستطيع تغطية نفقات الأطفال، الأمر الذي يجعلني أنتظر النفقة الشهرية، إلا أن طليقي يقطعها بين الفينة والأخرى بذريعة عدم العمل مع أنه تاجر ودخله جيد".

وتتابع بكثير من الألم: "كنت أحاول قدر المستطاع أن يتجنب الأطفال مشكلة الطلاق، إلا أن والدهم في كل مرة يُخبرهم بأن أمهم سبب هذه المعاناة، ويتلفظ بكلمات جارحة أمامهم، الأمر الذي انعكس على تصرفات الأطفال معي، وأصبحت في نظرهم سبب كل الذي يحدث".

وفي تنهيدة عميقة خرجت من أعماق قلبها: "حاولت التفاهم مع طليقي بعدم إدخال الأطفال في المشكلات التي بيننا، ونحاول قدر المستطاع أن نحل أي شيء وديًّا عن طريق العائلة، لكنه رفض ذلك".

حق النفقة

معاناة ابتسام وأمثالها حملتها صحيفة "فلسطين" وطرقت بها باب الشريعة الإسلامية، لمعرفة الحقوق الواجبة لهن ولأطفالهن في حالة الطلاق، فيقول أستاذ الفقه وأصوله في كلية الشريعة والقانون في الجامعة الإسلامية أ. د. ماهر الحولي: "حق النفقة من الحقوق الواجبة التي أقرتها الشريعة الإسلامية للأبناء، وكذلك نفقة المطلقة في عدتها، وعليه يجب على المطلق أن يؤدي النفقة على أكمل وجه".

ويستكمل الحكم الشرعي في النفقة: "ولا يجوز له أن ينقصها أو أن يتخلى عنها، فإذا لم يقم بهذا الواجب يأثم؛ لأن هذا يؤدي إلى إحداث الضرر بالزوجة -التي ما زالت في العدة- والأبناء، ومن ثم ما يقوم به البعض من عدم التزام دفع النفقة والمماطلة فيها بقصد الإضرار، فهذا محرم شرعًا".

ويستدل على ذلك في قوله تعالى: "وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ" (البقرة:233)، فهذه الآية الكريمة دليل واضح على أن ينفق على من لزمته نفقته من زوجته وولده على قدر ميسرته، والزوجة في حال الانفصال فإن لها حق النفقة ما دامت في العدة.

العشرة الطيبة

المعاملة الحسنة والأخلاق الطيبة بين الناس تُعد من أساس ومقاصد الشريعة الإسلامية، ورغم ذلك نجد الألفاظ السيئة تحل مكانها بعد الانفصال في بعض الحالات، في محاولة تشويه صورة الطرف الآخر أمام الأبناء وغيرهم، إذ يقول الحولي في ذلك: "العشرة الحسنة والمعاملة الطيبة بين الناس من مقاصد الشريعة الإسلامية وخاصة بين الأزواج في حال قيام الحياة الزوجية، وكذلك في حال الانفصال خاصة في وجود الأطفال فالأخلاق الحسنة تُعد من معالم الرجولة لدى الرجال".

ويتابع: "للأسف بعض الأزواج بعد الانفصال يعمل كل طرف على طعن الطرف الآخر والانتقاص منه بالشتائم والطعن في العرض، وغير ذلك أمام الأبناء حتى يتم تحميل طرف دون الآخر سبب ما يحدث من مشكلات وغير ذلك".

ويحذر من ذلك قائلًا: "يُعد هذا من المحرمات، لأنه يأتي في إطار الاعتداء على الأعراض والغيبة والنميمة وتشويه صورة الطرف الآخر، والحديث عن أسراره، والتي تُعد من أعظم الأمانات عند الله تعالى بأن يحفظ الرجل على زوجته أو طليقته سرها، وكذلك على الزوجة أن تحفظ سره حتى بعد الطلاق فلا يجوز أن ينقص من حقها لا أمام الأولاد ولا غيرهم، وهذا الأمر يتطلب منها كذلك".

مستقبل الأبناء

ومن أجل الحفاظ على مستقبل الأبناء خاصة بعد الانفصال ينصح الحولي الزوج والزوجة بعد الطلاق، بأن يتذكرا العشرة الطيبة والكلام الطيب بينهما؛ لأن ذلك يؤسس لحسن العلاقة مع الأبناء، وأن لا يشوه أي واحد منهما صورة الآخر وخاصة أمام الأبناء؛ لأن ذلك سينعكس بآثار سلبية وخطرة على مستقبل الأبناء.

ويستكمل في النصح، لأجل أبنائكم حافظوا على أعراضكم، واجعلوا الاحترام والتقدير بينكم، ومثلوا الأسوة والقدوة الحسنة في التعامل، وتغاضوا، وتعالوا على الجراح، واقبلوا الأعذار، بل واخلقوا الأعذار لبعضكم بعضًا لأجل أطفالكم.

وعند التأمل في قوله تعالى:" وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ"(البقرة:237)، نجد أنها وضعت أسس تنظيم العلاقات بكل شيء حتى بعد الطلاق، فهنا يذكرنا الله تعالى قبل الإقدام على شيء بأن هنالك فضلًا قبل الطلاق فحافظوا عليه وتذكروه حتى بعد الانفصال، إذ قدم أسمى الأخلاق والتوجيهات الإسلامية الراقية، وبذلك سيحافظ على وجود الروابط المشتركة والتواصل في الاهتمام والعناية بالأطفال، ومتابعة تربيتهم، وتعليمهم وحل مشكلاتهم، والمحافظة على الصورة المشرقة لكل طرف أمام الأبناء.