باتت زيارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إلى منطقة الشرق الأوسط مؤكّدةً في التاسع عشر من مايو/ أيار الحالي، وسوف تكون محطتها الأولى المملكة العربية السعودية، ومن ثم (إسرائيل) والأراضي الفلسطينية. وتكتسي هذه الزيارة أهميةً استثنائيةً بالنظر إلى عدة اعتبارات، أولها أنه اختار السعودية لتكون أول بلد يزوره منذ توليه الحكم في يناير/ كانون الثاني الماضي، ما يعني تقدير مكانة هذا البلد العربي والإسلامي بالنسبة للولايات المتحدة، ودوره الكبير في الملفات العربية والإسلامية والعالمية. والأمر الثاني أن الزيارة ليست للمجاملة أو العتاب مثل التي قام بها سلفه باراك أوباما عام 2016، بل هي زيارة عمل، حيث ستشهد عدة قمم، الأولى ترامب مع زعماء مجلس التعاون الخليجي، والثانية ترامب مع بعض القادة العرب، والثالثة مع بعض قادة من العالم الإسلامي باستثناء إيران، والقضايا التي ستكون مطروحةً على هذه القمم هي محاربة الإرهاب، والأوضاع في سوريا واليمن.
وتفيد الأنباء بأن الإدارة الأمريكية تحمل خططًا معينةً لمناقشتها مع العرب والمسلمين، تتعلق بالحرب ضد تنظيم الدولة والحل في سوريا واليمن. وبصدد الحرب ضد تنظيم الدولة، من المرجح أن تطلب واشنطن من العرب والمسلمين تقديم الدعم في الحرب ضد هذا الوباء، والتي تبدو صعبةً وطويلة الأمد، والدليل ما يحصل في مدينة الموصل منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وما يتم تحضيره من استعدادات كبيرة لإطلاق معركة تحرير الرقّة في القريب، وبالنظر إلى امتدادات تنظيم الدولة العربية في مصر وليبيا، ونشاطه الإجرامي في العامين الماضيين على الساحة الدولية الغربية، فإن الكلفة عالية بالمال والرجال، ولن تتحملها الولايات المتحدة وحدها، ولكنها ستتولى دور القيادة فيها، وعلى العالم أن يقف خلفها بكل إمكاناته من أجل إحراز النصر.
ويبدو أن نصيب القضية السورية من هذه القمة لن يكون قليلًا، وتفيد التسريبات بأن هناك توجهًا أمريكيًا من أجل التدخل العسكري في سوريا عن طريق الجنوب، بمعية قوات أردنية وبريطانية، وربما سعودية، وسيكون الهدف الأصلي هو تصفية جيوب تنظيم الدولة وجبهة النصرة الموجودة في الجنوب، والامتداد نحو البادية، وصولًا إلى منطقة دير الزور والحدود السورية العراقية في القائم والأنبار، وهناك تقديراتٌ ترجّح أن يشمل هذا التدخل منطقة الجولان، وصولًا إلى الحدود اللبنانية، ومن غير المستبعد أن تلعب (إسرائيل) دورًا مباشرًا في هذا القطاع، وسيكون تدخلها علنيًا لأول مرة.
واللافت في الأمر أن الطرف الذي استبق هذا التحرك، وبدأ يطلق تسريباتٍ حوله هو إيران التي بدت معنيةً أكثر من النظام السوري. وعلى الرغم من أن هذه هي النسخة السابعة من مناورات "الأسد المتأهب" في الأردن، فإنها ربطتها بالوضع في سوريا، الأمر الذي جرى تفسيره التقاطًا من طهران الرسالة.
على العموم، لن يقف استهداف الوجود الإيراني في سورية عند حدود جبهة الجنوب، فما ينتظر إيران من قمة ترامب مع العرب والمسلمين أكبر من ذلك بكثير. وحسب التصريحات الأمريكية، لن يتم الاكتفاء بعزلها فقط، بل تتحدث المؤشرات عن إعادة إيران إلى داخل حدودها، ووقف تدخلاتها في البلدان العربية على وجه التحديد، وهذا أمرٌ يرقى إلى إعلان حرب، بالنظر إلى التمدد الإيراني الكبير في سورية والعراق ولبنان واليمن.
لن تكون زيارة ترامب إلى السعودية حدثًا عاديًا، وتعلق عليها دول المنطقة آمالًا كبيرة في وقف التدخلات الإيرانية في المنطقة العربية، وهذا أمرٌ لا يمكن أن يتم إلا من خلال تأسيس شراكاتٍ جديدة بين الولايات المتحدة ودول المنطقة، على أسس مختلفة عما هي عليه التحالفات الحالية، الأمر الذي يفتح الباب على مصراعيه أمام مواجهاتٍ وحروبٍ سياسية واقتصادية وعسكرية.