حاربني عدد من أقراني حينَ توليتُ بمفردي قيادة الانقلاب على النمطية في الوقوف أمام الكاميرا، ووضع نهاية غير تقليدية لتقريري وهو (ابني) الذي أنجبته من رحمِ تعبي الميداني وانتظاري الطويل تحت حر الشمس الحارقة، أو ارتجافي تحت وقع لسعات البرد القارس، فتقريري أحرصُ على ألا يكون عاديًا لا في مضمونه ولا في لقطاته التصويرية، والأهم في كلماتِ "الستاند أب" فهي الحبكة التي تُدلل على حنكة المراسل وتميزه.
ذات مرة أنجزتُ "ستاند أب" وأنا أقود(التركتور) وأخرى وأنا أجلس على (التكتوك) وثالثة وأنا أصطحب عاملًا بسيطًا يقود (عربة أو كارو بحمار)..!
كنتُ وما زالتُ متمسكة بأن أنقلَ تفاصيل التفاصيل للناس المغمورين، الذين يظنُ بعض الإعلاميين بأن محاكاتهم في ظروفِ أعمالهم، يقللُ من هيبتهم المهنية، والحقيقة أنه يُكسبهم من اللياقة الاجتماعية ما يؤهلهم لانتزاع محبةِ جماهيرهم وزيادة رصيدها في قلوبهم..
أصل التميز أن تتقنَ الغوص في الأعماق الدقيقة، في التفاصيل الصغيرة، التي يظنها السواد الأعظم بأنها بلا قيمة وبلا مغزى، لكنها بعينكَ أنت لها شأن كبير، قد يجعلك في غمضة عين من الثلة المميزة لعصرك؛ قد يُحاربُ تميزك بعضهم في البداية؛ ويسخرُ منه بعض آخر لغرابته، المهم ألا تيأس، وأن تكون مقتنعًا بما تصنعه، فإن اقتنعتْ ودافعت باستماتة وواصلتْ، ستُبهرهم جميعًا، وسيكونُ أول من يُقلدك هو ذلك الذي سخرَ منك يومًا ما.