تحدثتُ في مقال الأمس عن اجتماع القاهرة الذي ينعقد ربما في وسط شهر مارس الجاري، وعن القضايا الرئيسة المطروحة للنقاش، فتوقفت عند قضية الشراكة في المجلس الوطني للكل الفلسطيني، والآن أقارب بإيجاز قضية البرنامج السياسي، وهل يمكن لاجتماع القاهرة أن يخرج ببرنامج سياسي موحد أو مشترك للكل الفلسطيني؟
من المعلوم أن برنامج فتح والمنظمة وبعض الفصائل الصغيرة التي تتبع فتح تتبنى مشروع المفاوضات في معركة فلسطين مع الاحتلال، وهي تطالب بتنفيذ آمن لاتفاقية أوسلو، والدخول في مفاوضات المرحلة الثانية التي تتضمن القدس واللاجئين والأراضي والمياه والدولة الفلسطينية، وجل هذه القضايا أسقطتها (إسرائيل) من أجندة المفاوضات، وأسقطتها عمليا في أرض الواقع، فحكومة (إسرائيل) ترفض الحديث في قضيتي القدس واللاجئين وترفض حل الدولتين بالمفهوم الفلسطيني.
في حين تتبنى حماس والجهاد وفصائل أخرى تؤيد حماس مشروع المقاومة، وتدعو منظمة التحرير وفتح ورئيس السلطة إلى مغادرة أوسلو والتخلي عن التزاماته، والدخول في حوار على برنامج حد أدنى تكون المقاومة الشعبية أساسه، مع ترك التنسيق الأمني وإصلاح البيت الداخلي، في مقابل التقاء الفصائل مجتمعة عند حدود دولة في أراضي ١٩٦٧م ذات سيادة.
ولا تكاد تختلف فصائل اليسار كثيرا عن برنامج المقاومة، ولكنها لا ترفض المفاوضات مع (إسرائيل)، وبعضها يطالب بالمقاومة الشعبية فقط بسبب اختلال موازين القوة.
هل يمكن لاجتماع القاهرة العتيد أن يصهر هذه البرامج في الفرن تحت درجة حرارية عالية ليعطينا سبيكة واحدة مقنعة لجميع الأطراف، وذات مغزى، يلتقي عندها المواطنون؟ هل الأطراف جاهزة لإلقاء برامجها المعروفة في نار فرن الصهر هذا، ومن ثمة الوصول إلى هذه السبيكة ذات الجاذبية والفاعلية، أم إنها ليست جاهزة، وفرن صهر المعادن والبرامج غير موجود؟
نعم هناك قواسم مشتركة، وهناك قضايا متباينة ومختلف عليها، والاتحاد يقتضي العمل في الساحات المشتركة، وترك أزقة الخلافات، لأن القدس تتهود، والاستيطان يتمدد، وضم أجزاء من الضفة لم يتوقف برحيل ترامب، أو باتفاق أبرهام. القواسم المشتركة تحتاج إلى نية سليمة، ورغبة في الشراكة، وترك الاستقواء بمطالب الغرب وأمريكا، الغرب وأمريكا يحترمون الأقوياء والمتحدين.