تعاني القطاعات الخدمية، وبالذات القطاع الصحي، من فساد ومحسوبية عميقين يدوسان بأقدامهما على ما تبقى من ثقة المواطن بالنظام الصحي، وبالجهات الإدارية التي تدير هذا القطاع الحيوي. ما من شك أن هناك جوانب مضيئة، وأداء مهنيا طيبا لكثير من الأطباء وطواقم التمريض في مشافي الضفة الغربية، ولكن اتساع دائرة المحسوبية والفساد تطفئ المصابيح المضيئة للأفراد الذين يقدمون أداء مهنيا متخصصا وجيدا.
الفساد والمحسوبية عدوّان لدودان للنجاح. الغارق في الفساد يريد كل الناس فاسدين، وإذا لم يكونوا فاسدين كما يريد اتهمهم بالفساد، وقال: الفساد "عم وطم". المحسوبية في أعلى الهرم أشرس من المحسوبية في قواعد الهرم. السارق يزعم أن كل الناس تسرق، وأنه ليس الوحيد في هذا العمل، لذا نحن مضطرون للقول لهؤلاء إن المرض يصيب من في قاعدة المجتمع، ويصيب من يتربع على قمة المجتمع، وهكذا أفادتنا جائحة كورونا، أصابت الوزير وأصابت الغفير، سكنت جسم الغني كما سكنت جسم الفقير، أصابت الشيخ الكبير وأصابت الطفل الصغير والشاب اليافع، وقتلت من الرجال كما قتلت من النساء.
ما أود قوله إن جميع أبناء المجتمع في حاجة لتلقي التطعيم، وأخذ حقهم في لقاح جاء تبرعًا من مانحين لكل المواطنين، وقد نظم بروتوكول الصحة العالمية برنامج أولويات المستفيدين من التطعيم، فأعطى الأولوية للطواقم الطبية، ثم لأجهزة الشرطة التي تتعامل مع الجائحة مباشرة، ثم لكبار السن، وبالذات الذين لديهم أمراض مزمنة، ولكن برنامج الصحة العالمية لم يعطِ أولوية لكبار رجال السلطة والمتنفذين، إذ تقول مصادر الضفة الغربية، وبالذات تلك التي تنتقد في وسائل التواصل الاجتماعي، إن كبار رجال السلطة وعائلاتهم تلقوا التطعيم قبل غيرهم على خلاف برنامج الأولويات، وناشد المواطنون في الصفة محمد اشتية رئيس الوزراء التدخل، وإجراء تحقيق، ومنع المحسوبية.
كبار رجال السلطة الأغنياء بإمكانهم ماليًّا شراء اللقاح، وبمكنتهم السفر لدول في الخارج وتلقي اللقاح فيها، لكن الفقير والمواطن العادي لا يستطيعان ذلك، وما يصل الضفة من لقاح هو بكميات محدودة، وبنظام التبرع، ولأنه كذلك فالفقير والضعيف، وكبير السن والمريض، أولى بأخذه مبكرًا من كبار رجال السلطة الأشداء. وإذا كان في المقال تجنيًا فلماذا تطالب أصوات فلسطينية الجهات المانحة للقاح بأن تقدمها للمجتمع الفلسطيني عبر الأونروا، أو عبر مؤسسات المجتمع المدني؟! مطلوب من وزير الصحة، ومن رئيس الوزراء توضيح ما يجري، وإزالة الفساد والمحسوبية من هذا الملف الذي لا يحتمل السكوت والصمت.