الناس في فلسطين حائرون، والسؤال الذي يطوف على مجالسهم: هل ستجرى الانتخابات أو لا؟ هل ستتواصل العملية الانتخابية كما اتُّفِق في حوارات القاهرة؟ أو ستتوقف؟ وهل ستسير الأمور بسلاسة دون اعتراضات ومطبات قد تظهر في لقاءات القاهرة التي ستقعد في نهاية شهر مارس، لتناقش انتخابات الرئاسة، وتشكيل المجلس الوطني؟ أو ستُؤجَّل خشية انعكاس فشلها على انتخابات المجلس التشريعي؟ وماذا بعد تأجيل لقاءات القاهرة إلى ما بعد ظهور نتائج انتخابات المجلس التشريعي؟ ومن يضمن نجاح اللقاءات بعد ذلك؟ ومن يضمن تواصل العملية الانتخابية للرئاسة والمجلس الوطني؟ وكيف ستسير الأمور بعد ظهور نتائج الانتخابات؟
تلك الأسئلة الأكثر حضورًا داخل المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة، ومن الناس المتفائل بحذر، ومنهم المتشائم، أما المتفائل فإنه يتمنى أن تسير الأمور على ما يرام، وأن تشكل قائمة مشتركة تضم معظم التنظيمات، ولا سيما حركتي فتح وحماس، تفاديًا لصراع ما بعد الانتخابات، أما المتشائم فيقضي بأن حركة فتح لن تقبل المساواة في عدد المقاعد مع حركة حماس، وستطالب بالأغلبية، وستحرص حركة حماس على إشراك التنظيمات المقاومة في غزة -التي لم تشارك في حوارات القاهرة- ضمن القائمة المشتركة، وسترفض حركة فتح ذلك، وتصر على إشراك التنظيمات المتحالفة معها، وبعض الشخصيات المستقلة، لترفض حماس ذلك.
وإذا تجاوزنا ما سبق، وافترضنا أن حركتي فتح وحماس قد توافقتا على قائمة مشتركة، فمن يضمن التزام عناصر التنظيمين الكبيرين تعليمات القيادة؟ ولم لا يعتمد كل تنظيم على دعم شخصيات مستقلة في الخفاء، أو قوائم تؤيد هذا التنظيم أو ذاك خلسة، وفق مبدأ الشركة تركة؟ فتخرج القائمة المشتركة مهزومة أمام عدم التزام عناصر التنظيمين من ناحية، وأمام تعاظم قوة القوائم البديلة داخل حركة فتح من ناحية أخرى، مثل قائمة سلام فياض ونبيل عمرو، وقائمة ناصر القدوة البرغوثي، وقائمة دحلان، وقوائم كل من يسعى ليأخذ نصيبه من تركة حركة فتح اللجنة المركزية، أو من القائمة المشتركة غير المتجانسة، إن تم التوافق على تشكيلها.
المشهد الانتخابي الفلسطيني يعيش حالة من الضبابية بين استمرار العملية الانتخابية أم توقفها، أو تأجيلها، أو اقتصارها على الضفة الغربية دون غزة، كل ذلك على الرغم من صدور المرسوم الرئاسي بتشكيل محكمة الانتخابات، والتي لم تضع الشارع الفلسطيني على محطة اليقين بإجراء الانتخابات، ولا سيما أن أطرافًا إقليمية لها حضورها، وتأثيرها في القرار الفلسطيني، ومطلبها الوحيد هو فوز حركة فتح، والهدف من ذلك مواصلة نهج المفاوضات، ومواصلة بث الشك بقدرة تنظيمات المقاومة على تحقيق أي إنجاز.
منسق شؤون المناطق الإسرائيلي الجنرال كميل أبو ركن، والذي يدير الضفة الغربية عمليًّا، لا يقف متفرجًا من موضوع الانتخابات، ولديه أكثر من طريقة للتأثير في المشهد الانتخابي، ولا سيما بعد تدخل مراكز الأبحاث الإسرائيلية، وتوصيتها للحكومة بألا تعرقل الانتخابات الفلسطينية، شرط ألا تسمح لحركة حماس بالفوز بهذه الانتخابات، لأن فوز حركة حماس يعني التفاف الفلسطينيين خلف مشروع المقاومة، وتعزيز خط المواجهة والتصدي الميداني لمشاريع الاستيطان الإسرائيلي.
فلسطين على مفرق الانتظار بقلق وخوف من المجهول، والمجهول يخبئ للفلسطينيين كرامة إذا ساروا على طريق الديمقراطية بعيدًا عن المصالح الحزبية والفردية، ويخبئ للفلسطينيين مزيدًا من الانقسام والضياع إذا كانت حساباتهم ضيقة، محكومة بالولاء للغريب، فالشعوب لا تغفر الخطايا، ولا تتسامح مع الرزايا.