دائمًا يشكل الاحتلال عقبة في طريق أي إنجاز فلسطيني، ويحاول بكل السبل إحباط أي خطوة في اتجاه تحقيق حلم كل مواطن فلسطيني بالحرية والاستقلال، وكما هي عادته القذرة بوضع العقبات في طريق الوحدة الفلسطينية يحاول الاحتلال شق الصف الفلسطيني بالتدخل المباشر والعملي على الأرض، بتهديد المرشحين المحتملين لحركة حماس في الضفة الغربية بالاعتقال، إذا ما قرروا ترشيح أنفسهم، لا شك أن الاحتلال عندما يقدم على هذه الخطوة لا يبتدع عملًا احتلاليًّا جديدًا، فقد أمضى عدد كبير من نواب كتلة التغيير والإصلاح التابعة لحركة حماس، وبعض نواب حركة فتح والجبهة الشعبية جل المدة السابقة قيد الاعتقال، وما زال بعضهم معتقلًا في السجون الصهيونية حتى تاريخ كتابة هذا المقال.
إذًا الترشح للانتخابات في الضفة الغربية من أيٍّ من قوى المقاومة، أو من أي فصيل فلسطيني آخر، اتخذ أحد نوابه أو مرشحيه موقفًا مناقضًا للاحتلال، أو داعمًا للمقاومة يعني الاعتقال لدى الاحتلال، وهذا أمر لا يمكن أن تستقيم معه عملية ديمقراطية أو حياة نيابية، وهذا يعيدنا إلى الجدلية الأولى، وهي فكرة إجراء الانتخابات وممارسة الحياة الديمقراطية تحت سيطرة الاحتلال ومدى شفافية ونزاهة هذه العملية.
تجاربنا الشعب الفلسطيني مع الاحتلال قاسية، وراسخة في وجدان الشعب الفلسطيني، بعدًا مظلمًا يظلل كل ما هو جميل بالسواد والكآبة، وعلى مدى سني الاحتلال تحدى الشعب الفلسطيني هذا الظلام بفيض من نور، أنتجه الفلسطينيون من صمودهم على أرضهم، وتشبثهم بحقوقهم، ودفع ضريبة هذا الصمود من دمائهم وحرية أبنائهم وحصارهم، وكل ما قام به الاحتلال من بداية جريمة الاحتلال حتى هذه اللحظة.
اليوم يبرز تحدٍّ آخر أمام الشعب الفلسطيني، وهو التشبث بالديمقراطية التي يحاول الاحتلال حرمانه منها، وكعادة الشعب الفلسطيني سيتحدى إرادة الاحتلال بإرادة الكل الفلسطيني ليمنع الاحتلال من تنفيذ خطته، وهذا التحدي يتطلب وحدة الموقف الفلسطيني، وابتداع الوسائل التي تحيل خطط العدو إلى رماد تدوسه أقدام الفلسطينيين.
التحدي الآن هو منع العدو بعض الفلسطينيين من الترشح للانتخابات، لأنه يرى فيهم تهديدًا لكيانه، وعلى الشعب الفلسطيني ألا يسمح بمرور هذه القضية دون أن يكون له موقف حاسم، وهذا الموقف -من وجهة نظري- يكون في اتجاهين: الاتجاه الأول قانوني، أما الاتجاه الآخر فقد تحدث عنه السيد يحيى السنوار رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في قطاع غزة، عندما قال إنه لن يسمح للعدو بأن يتدخل في الانتخابات الفلسطينية، وللمقاومة كلمتها في هذا السياق، أما البعد القانوني فلما كان الاحتلال يستخدم قوته على الأرض في الضفة الغربية والقدس لإحباط العملية الديمقراطية؛ فلا بد أن يكون القانون الذي يحكم هذه العملية مستوعبًا هذا التحدي، إذ إن القانون معبر دائمًا عن الحالة السياسية والثقافية والاقتصادية للمواطن، ولا يمكن أن يكون القانون بعيدًا عن الواقع الذي يطبق فيه، وإلا أصبح قانونًا جامدًا وغير عملي ولا يمكن تطبيقه، وكذلك لا يمكن للجهة التشريعية -أيًّا كانت هذه الجهة- أن تقف مكتوفة الأيدي أمام التحديات التي قد تحول دون تحقيق رغبات وطموح الشعب الذي تمثله، وتصدر القوانين باسمه، وإلا أصبحت جهة بعيدة عن نبض الشارع، ولا تسعى إلى تحقيق أهدافه وتطلعاته وطموحه.
فإذا كانت العقبة التي يضعها الاحتلال يمكن أن نتجاوزها بقانون يتوافق مع الحالة الفلسطينية التي تخضع لقوة الاحتلال في الضفة الغربية؛ فلا بد أن نكون قادرين على أن نعالج هذه القضية بتعديل القانون تعديلًا يفقد الاحتلال القدرة على التدخل في الانتخابات الفلسطينية أو إحباطها، وإذا ما قصرت الجهة المنوط بها التشريع في هذا الأمر؛ فأقل ما يقال إنها تساوقت من حيث تدري أو لا تدري مع توجهات الاحتلال.
وعليه أرى أن الرئيس أبا مازن ملزم الآن بتعديل قانون الانتخابات مطلبًا وطنيًّا عامًّا، بعدِّ النائب المعتقل حاضرًا في المجلس، بإنابة منصوص عليها في القانون لأحد النواب الآخرين، من كتلته البرلمانية نفسها أو غيرها، ويكون له الحق بتغيير هذه الإنابة أو وقفها متى شاء، وبذلك يصبح اعتقال النواب بحد ذاته غير ذي قيمة، وسيجبر الاحتلال على التوقف عن اعتقال النواب، لأن الاعتقال لن يؤدي الغرض منه، أو سيستمر العدو بعناده، ولكن دون أن يؤثر في العملية الديمقراطية، التي ستبقى مستمرة، ولكن بشكل يتناسب مع حالة التصدي والمقاومة لجرائم الاحتلال.
الحالة الوطنية الفلسطينية تستدعي اتخاذ هذا الإجراء على وجه السرعة، هذا إن كان الرئيس معنيًّا بأن تستمر العملية الديمقراطية في فلسطين رغم أنف الاحتلال، أما إذا كان للرئيس رأي آخر فليخبرنا به.