أشاعت "إسرائيل" عددا من الكلمات ذات المفاهيم الخاصة، التي دخلت القاموس العربي دون أن تُمحَّص، والسبب هو أن إعلام النظم العربية ساعد في ترويجها وفي تغييب عقول الناس.
والتدليس الفكري والإعلامي أحد أهم أدوات المشروع الصهيوني لتحقيق أهدافه.
تداولت "إسرائيل" كلمة "السلام" وأن إعراض العرب عن التقارب معها يعني أنهم لا يحبون السلام، والسلام عند "إسرائيل" هو التسليم بمصالحها وحقها وحدها في الحياة، لذلك فإن الحوار بين "إسرائيل" والعرب دون الاتفاق على مفاهيم مشتركة هو حوار الطرشان، فما بالنا والعرب يدركون معنى الكلمة عند "إسرائيل" ثم يُمعنون في الاستسلام لها بحجج مختلفة، ويلومون الفلسطينيين أنهم لايتجاوبون مع عروض السلام الإسرائيلي الذي يعني تسليم فلسطين، وأن تكون مقبرة للفلسطينيين، فهو سلام المقابر وانتصار "إسرائيل" في تحقيق أهدافها. لذلك تُميز اللغات الأجنبية بين السلام بالمعنى الدارج peace، أما سلام "إسرائيل" فهو باللاتينية pax.
المصطلح الثاني هو خرافة الصراع العربي الإسرائيلي، والصراع مصطلح سياسي ويحتمل أن يؤدي إلى حروب أو أعمال مسلحة، كالذي حدث بين إيران وصدام حسين كان صراعا وحربا، ولكن العرب لم يكونوا يوما في صراع مع "إسرائيل"، وإنما كانت هناك كراهية عربية للغاصب الإسرائيلي.
المصطلح الثالث هو الحروب العربية الإسرائيلية، ومنها الحرب العربية الأولى عام 1948، هذه مغالطة وتدليس؛ فلم تقم حرب واحدة بين أي دولة عربية و"إسرائيل"، وإنما كان عدوانًا إسرائيليًا فاحشًا على كل الدول العربية، عام 1956 في العدوان الثلاثي على مصر، و1967، في عام 1973 عبر الجيش المصري الأراضي المصرية المحتلة في سيناء ليزيح الاحتلال بالقوة بعد أن فشلت الدبلوماسية والحلول السياسية. في 2006 اعتدت "إسرائيل" على لبنان، 1981 اعتدت على العراق، 1985 اعتدت على تونس، وهكذا... أما عام 1948 فإن قوات عربية عبرت إلى فلسطين لمساعدة الفلسطينيين على وقف برنامج العصابات الصهيونية اليهودية في فلسطين.
المصطلح الرابع هو صفقة القرن، وهي اتفاق إسرائيلي أمريكي وتواطؤ على تمكين "إسرائيل" من كل فلسطين، ويسمونها خطة السلام، وتعهدت واشنطن بتمريرها بمالها من سلطات لدى الحكام العرب الذين تنبع منها شرعية حكمهم جميعا، والغريب أنهم يقولون إن رفض السلطة الفلسطينية للخطة يعد تعنتا وتعريضا لمصالح الفلسطينيين للخطر، والمطلوب من السلطة أن توقع بهدوء على تسليم فلسطين كاملة لليهود.
المصطلح الخامس هو حرب الأيام الستة، وهي في الواقع عملية إسرائيلية أمريكية جاهزة لم تستغرق أكثر من ست ساعات كُشِف فيها المستور، ودُمِرت الطائرات المصرية في مرابضها، وعُطِّلت مدارج المطارات. والطريف أن أم كلثوم غنَّت كشف النقاب عن الوجوه الغادرة وحقيقة الشيطان بانت سافرة، وكأن السلطة في مصر اكتشفت لأول مرة حقيقة السرطان الإسرائيلي، في حين الإعلام الفاجر يؤكد أن مصر أسقطت كل طائرات "إسرائيل"، وأن الجيش المظفر دخل تل أبيب في الوقت الذي كان آلاف الجنود المصريين يدفنون أحياء في أرضهم في سيناء. وقد فندنا في مقال سابق الأساطير المؤسسة للمشروع الصهيوني بعد اطلاعنا على الأساطير المؤسسة لـ"إسرائيل"، ونظرا لأن جارودي الفيلسوف الفرنسي الذي أسلم وترك اليهودية يعلم الأساطير المؤسسة للمشروع، فإنه آثر أن يتحدث عن الأساطير المؤسسة لـ"إسرائيل" بحسبانها التجسيد الحي للمشروع، وعلى أساس أن "إسرائيل" هي النقطة التي يتحرك عليها المشروع، وهو يجند قوى دولية وإقليمية على النحو الذي سوف نلمسه ونحن نعالج أدوات المشروع وأساليبه.
وقد تمسكت واشنطن بنظرية عقيمة للتغطية على المؤامرة مع "إسرائيل"، وهي ضرورة أن تكون قوة "إسرائيل" أكبر من قوة العرب مجتمعين حتى تحافظ "إسرائيل" على أمنها وسط بحر من العداء العربي لها. فالعرب لم يكن لهم يومًا قوة مشتركة أو أمن قومي، لذلك فشلت اتفاقية الدفاع العربي المشترك ومجلس الوحدة الاقتصادية العربية. من ناحية أخرى فإن أمن "إسرائيل" مفهوم نفسي وخاص بـ"إسرائيل"، فلا يمكن أن تشعر إسرائيل بالأمان ما دامت غاصبة وقد ربطت أمنها بالحدود الآمنة، فظلت مفتوحة تعتمد على قوة "إسرائيل" وليس الاتفاق مع العرب.
وقد جرت العادة أن يطلق على احتلال "إسرائيل" لفلسطين عام 1948 النكبة كما يطلق على انكسار مصر عام 1967 نكسة، وهذا تبسيط مُخِلّ للمفاهيم.