قد تكون الحكومة الإسرائيلية الحالية بأمسِّ الحاجة إلى صفقة تبادل أسرى يتقرب فيها نتنياهو من الجيش، ومن الشارع الإسرائيلي، بصفته الأقدر على فكفكة القضايا المعقدة مع الفلسطينيين والعرب، وقد يكون بيني غانتس، وزير الحرب الحالي، الأكثر رغبة في إنهاء ملف الجنود الإسرائيليين الأسرى في قطاع غزة، وقد اعترف قبل أيام بمسؤوليته عن أسرهم، بصفته رئيس الأركان خلال العدوان على غزة سنة 2014، وقد يحسب إغلاق هذا الملف انجازًا له، سيساعده في عبور نسبة الحسم في انتخابات الكنيست الرابعة.
لقد تناول الإعلام الإسرائيلي قضية الأسرى والمفقودين في الأيام الماضية بلغتين: الأولى كانت لغة النقد والتجريح للأسرار الخفية في صفقة إرجاع الفتاة اليهودية التي دخلت الأراضي السورية، وعن المقابل المالي والإنساني لهذه الصفقة، وهذا ما وضع رئيس الوزراء الإسرائيلي في موقف حرج أمام أهالي الجنود الأسرى لدى رجال المقاومة في قطاع غزة، فكانت الملامة وعدم الثقة بالقيادة السياسية هي اللغة الثانية التي أحرجت الحكومة، المتهمة بالتخلي عن جنودها رغم مرور سبع سنوات على وقوعهم في الأسر.
الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة باتت على يقين أن الضغط على غزة لم يثمر انتصارًا، فلا كل محاولات التجسس والتصنت والتخابر نجحت في الوصول إلى أي معلومة عن الجنود الأسرى، ولا الحصار على غزة، ولا العقوبات، ولا قطع الرواتب وقطع الكهرباء، ولا عدم تقديم لقاحات فايروس كورونا، كل ما سبق لم يؤثر في قرار المقاومة بهذا الخصوص، لذلك لم يبق أمام الحكومة الإسرائيلية إلا الموافقة على صفقة تبادل أسرى، وبالشروط نفسها التي وضعتها المقاومة منذ اليوم الأول لوقوع الجنود الإسرائيليين في الأسر، والمقاومة على استعداد لتنفيذ صفقة تبادل أسرى، ولكن ليس وفق الأخبار التي نشرتها وسائل الإعلام الإسرائيلية، والتي تحدثت عن زيادة مساحة الصيد وعن ميناء، فالمقاومة لا تحرف البوصلة، ولا تشتت الانتباه إلى أشياء أقل أهمية من الإنسان، ولن تسمح حركة حماس لانتخابات المجلس التشريعي أن تؤثر في شروطها، فحركة حماس تعرف أن تنفيذ صفقة تبادل أسرى في هذه المرحلة سيكون مفيدًا ونافعًا للحركة، ولكنها تدرك أن الثبات على المبادئ التي حددتها منذ بداية أسر الجنود الإسرائيليين، هو القوة الخفية التي تعطي لحركة حماس الحضور الوازن داخل الشارع الفلسطيني.
ودون أدنى شك، فإن حكومة الاحتلال الإسرائيلي التي تراقب الساحة الفلسطينية، ستحاول استثمار حسن العلاقة بين حركة حماس ومصر العربية في الضغط لتنفيذ صفقة تبادل أسرى، ولا أستبعد أن تربط حكومة الاحتلال بين إطلاق سراح جنودها الأسرى من جهة، والموافقة على إجراء الانتخابات التشريعية من جهة أخرى، وهذا ما سيرفضه رجال المقاومة، الذين حسموا أمرهم بهذا الشأن، وهم واثقون أن مصر العربية لن تضغط عليهم، ولن تقبل بأن تكون الانتخابات التشريعية مادة تفاوض أو وسيلة ضغط لها انعكاساتها السلبية على الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية.
قد تخرج صفقة تبادل أسرى إلى العلن قريبًا، شرط استجابة الحكومة الإسرائيلية لمطالب الشعب الفلسطيني بإطلاق سراح أسراه ذوي الأحكام العالية، ودون ذلك، ستبوء كل المحاولات الإسرائيلية لفك أسر جنودهم بالفشل.