تعني كلمة التطبيع مع العدو المحتل للأراضي الفلسطينية بالقوة العسكرية إنهاء حالة العداء معه والقبول بالأمر الواقع، والاعتراف بوجوده اعترافًا شرعيًّا ووجوديًّا، والبدء في إنشاء علاقات طبيعية مع دولة الاحتلال في المستويات كافة، ومنع مقاومة العدو ومقاومة الاحتلال، والبدء في علاقات دبلوماسية، وتجارية، واقتصادية، وإعلامية تجعل العدو صديقًا أو جارًا له حقوق الجار وواجبات الصداقة.
كلمة التطبيع عنوان على برنامج مشحون بكثير من التفاصيل، التي تمحو الماضي، وتجعل العدو جارًا مقبولًا، أو حليفًا شريكًا في رسم ملامح المستقبل القريب والبعيد للمنطقة العربية، مع تبادل اقتصادي، وتجاري، وأمني، وتبادل سفراء، ووقف حملات الإعلام المناهضة للاحتلال، وتطويع عقول الناشئة لتقبل دولة (إسرائيل) كدولة طبيعية في نسيج المنطقة.
نعم كانت اتفاقيات كامب ديفيد، ثم وادي عربة، ثم أوسلو، ثم أبراهام، أبوابًا أربعة رئيسة في نشر مظلة التطبيع العربي الرسمي مع دولة الاحتلال، ولكن شعوب هذه الاتفاقيات رفضوا التطبيع الرسمي، والشخصي، ولم تتقبل الشعوب إنزال (إسرائيل) من قائمة الأعداء للأمة العربية وللإسلام. وبناء على هذا الرفض أنشأت الشعوب منظمات مدنية مقاومة للتطبيع، وبعضها أخذ صفة المنظمات الدولية، ولعل من أهم فصول العمل الشعبي في الآونة الأخيرة في غزة كان ميثاق الشرف الإعلامي لمقاومة التطبيع والذي وقعته فصائل فلسطينية ومؤسسات إعلامية وشخصيات إعلامية وازنة.
ميثاق الشرف يعرف (إسرائيل) بأنها عدو، وأنها دولة احتلال، ودولة استيطان، ويجدر بكل مؤسسة، وكل فلسطيني، مقاطعة العدو، ونبذ روايته الإعلامية، وحرمانه من الظهور على الشاشات العربية، وذلك لمنع مداخله نحو التطبيع والتهجين، مع الاستخدام المباشر والصريح لكل المصطلحات المناسبة لتصنيف (إسرائيل) دولة عدو، ودولة احتلال، ودولة استيطان، وتمييز عنصري، ومقاطعتها إعلاميًّا واقتصاديًّا، لا سيَّما منتجات المستوطنات المقامة على أراض ١٩٦٧ المحتلة، مع دعم إعلامي فلسطيني حقيقي لحركة مقاطعة منتجات المستوطنات الدولية.
إن أي تهاون إعلامي يقفز عن مصطلحات العدو ومقتضياته، إلى بدائل مائعة تخدع المواطن هي جريمة في حق الوطن، وفي حق الدين، وهو خيانة للشهداء، وللمقاومة، وافتراء على التاريخ.
(إسرائيل) كانت في العرف العربي، والعرف الإعلامي دولة ذات وجود غير طبيعي في المنطقة، وهي زرع شاذ زرعته بريطانيا ودول الاستعمار الحديث في الأرض المباركة، ويجب أن تبقى فلسطين، ودول العرب، والشعوب على وفاء لهذا التصنيف الذي صنفه الأجداد، وماتوا على الوفاء للوطن وللدين ولميراث الفاتحين والشهداء. كل الاحترام لوثيقة الشرف التي يجدر تطبيقها بجد ودون تهاون.